الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ازدراء الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تروج فى مصر- الآن- تهمة «ازدراء الأديان»، وهى ما يلازم ظاهرة بعينها، يسميها البعض «التطرف الليبرالي».
وبصرف النظر عن الجدل المتلاطم الذى يثيره «التطرف الليبرالى» ويدفع بأصحابه أو ملفاته إلى القضاء، ليواجهوا تهما تتعلق بازدراء الأديان، سواء عن نصوص أدبية، أو تصريحات سياسية ترد فى إحدى أو بعض وسائل الإعلام، فإن السطور المقبلة لا تتعرض لتلك القضية إلا من حيث المقابلة اللفظية بين فكرتين، إحداهما هى: «ازدراء الأديان» على يد المتطرفين الليبراليين، وثانيتهما- التى أطرحها هنا- هى «ازدراء الدولة» ذاعت وشاعت بداية من أحداث عملية يناير ٢٠١١، على أيادى عملاء النخبة وبلطجية المولوتوف وأراجوزات التوك شو وهليبة الجمعيات الأهلية.
وظاهرة أو حالة «ازدراء الدولة» صارت تتعزز وتزداد عمقا واتساعا فى أداء بعض «قبضايات المشهد السياسي» الذين تصدروا مسرح الأحداث فى مصر مستقوين بصلاتهم الوثيقة مع عدد من أجهزة المخابرات الدولية التى نشطت فى ميدان التحرير إبان أحداث يناير، أو بما يربطهم بعدد من سفارات قوى إقليمية ودولية من علاقات مدهشة فى تشعبها وتعقيدها.
«ازدراء الدولة» يعنى الاجتراء عليها نتيجة سقوط هيبتها أو تآكلها، والعجيب أن تلك الظاهرة تمددت واتسعت من عهد الرئيس مبارك إلى عهد المشير طنطاوى والمجلس العسكرى إلى العهد الحالى، واستثنيت عهد محمد مرسى «أول جاسوس مدنى منتخب»، لأن ازدراء الدولة فى ذلك الزمن البائد كان يتم من الرئيس شخصيا وفى خطابات عامة، فقد كان دائم الحديث عن تآمر مؤسسات الدولة العميقة عليه بغية إهدار كرامتها، وتعريضها إلى هجمات متوحشة من أنصاره الذين علا ضجيجهم، ينادون بسقوط ما سموه «حكم العسكر»، أو نشر بعضهم تصريحات عن كسر الداخلية مرة أخرى غير تلك التى استفتحوا بها عملية يناير ٢٠١١، وقد «تزرزر» المحامى الإخوانجى صبحى صالح وهو يدلى بتصريح له بنفس المعنى فى التليفزيون.
وفيما خلا الجاسوس مرسى، فإن المرات التى جرى فيها «ازدراء الدولة» سواء فى عهد مبارك أو زمن طنطاوى أو فترة السيسى، يتم من فصيلين رئيسيين أحدهما هو جماعة الإخوان الإرهابية وطلائع ونخب الاشتراكيين الثوريين والناصريين والمتطرفين الليبراليين، وتلك الفئات الثلاثة الأخيرة جمعت- فى الحقيقة- بين «ازدراء الدولة» و«ازدراء الأديان»، لأنها كانت تزدرى المؤسسة الدينية وتهدر هيبتها ضمن ازدراء «الدولة»، فلا فارق جوهرى بين اشتراكى ثورى يتقاطع مع الدين، وعناصر التطرف الليبرالى التى تريد «فى مزايدة لافتة» أن تثبت تحررها من القيود التقليدية وضمنها الدين، أما الناصريون فربما وجدوا فى انتقاد الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر للفترة الناصرية مبررا للهجوم على الأزهر «كلية أو بالتفصيل»، وقد شاهدت فصلا من الأداء له نفس المعنى من كادر ناصرى حضر أحد اجتماعات العصف الفكرى والحوار الثقافى التى ينظمها الأزهر الشريف مع المثقفين.
إذن نحن أمام ازدراء لمؤسسات الدولة، تمهيدا للإطاحة بهيبتها وإشاعة الفوضى تمهيدا للتقسيم، وضم مصر إلى طابور طويل من الدول الوطنية الشرق أوسطية تواجه ذات المصير.
مشكلة مصر هى رسوخ مؤسساتها، ومن ثم فإن الهدف ليس هو ازدراء الدين، وإنما ازدراء الدولة وإسقاط مؤسساتها بما فيها المؤسسة الدينية، ولا يحدثنى أحد- هنا- عن تخلف مؤسسة الأزهر، وأن جاهلية بعض علمائها هى التى أفضت للهجوم عليها، لأننا نجد نفس الظاهرة فى المؤسسة الدينية القبطية والمتمثلة فى هجوم الكثير من الأقباط العلمانيين أو المتطرفين الليبراليين على تلك المؤسسة بغية إهانة حضورها ورموزها، ومن ثم تحويل شعب الكنيسة فى مصر لكتلة مقعدة بواسطة زمرة من سياسيى مرحلة عملية يناير، وإلى حيث يريدون بالضبط دون رادع وطنى أو أخلاقى يلزمهم جادة الطريق، وهكذا أرادوا- بالضبط- مثلما حاولوا مع الأزهر.
تصنيع أو تخليق منتج «بفتح التاء» بشرى جديد فى مصر بوصفه «مواطنا عالميا» ليس لديه ارتباط «وطني» أو أى قدر من توقير واحترام مؤسسات الدولة، يوفر بيئة مثالية لتنفيذ المخططات الدولية المتآمرة والشريرة التى بدأت مع بداية القرن الحالى واستهدفت عددا من البلاد عند نهاية العقد الأول منه، فيما عُرف باسم «الربيع العربي».
فكرة المواطن الكونى أو العالمى تعنى فك الارتباط مع «الوطنية» بمعناها القاموسى، وكذلك بكل ما يرتبط بها من مؤسسات تحافظ على السيادة وتحمى حضور الدولة، يعنى المقصود هو تحويل بلادنا إلى مساحة من الخلاء السياسى تتقدم فيها كتائب العملاء، ولا تواجه بأى مقاومة من أناس لهم أى ارتباط أخلاقى أو قانونى أو انضباطى بتلك القطعة من الأرض التى تسمى «بلدا»، والتى يزدرئون مؤسساتها لتسهيل إنتاج ذلك «المواطن الكوني».