رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيد قطب .. منبع أنهار الدم!!(1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لعل الناس لم يعرفون اختلافًا في الآراء والنظر حول شخصٍ وإليه في العصر الحديث، كما اختلفت أنظارهم وآرائهم حول شخصية الإخواني "سيد قطب"، الذي كان أول من كتب العقيدة الإخوانية وثقها الذي كانت كتبه هي المنبع الأصلي، والمعين القذر والحمأة المنتنة والتي تفجرت منها كل أنهار الدم التي تعاني منها البشرية حتى الساعة!
ولكن اللافت للنظر في الأمر، أن الاختلاف حول شخصية "سيد" ليس مجرد الاختلاف ما بين المدح والقدح، أو الرفع و الوضع، أو الثناء و الذم، وإنما هو اختلاف يتصف بالحدة الشديدة والعصبية الحديدة في البعد ما بين الرأيين لكلا الفريقين، فتجد كل فريق قد تعصب لرأيه أشد ما يكون التعصب، بل و تطرف فيه أيضًا إلى حيث منتهى المنتهى من التطرف!
فالاختلاف حول "سيد" ليس مجرد اختلاف حول شخص ما بين مؤيد ومعارض، ومادح و قادح أو ما بين متفق معه أومختلف عنه أو عليه، وإنما الاختلاف حوله أكبر ما يكون الاختلاف حول شخص!
فأنصاره ومريدوه ومحبوه يرفعونه إلى "أعلى عليين" في حين تجد أن خصومه وأعداؤه يهبطون به– وفي الوقت ذاته- إلى أسفل سافلين!
فتجدُ– أيها القارئ المكرم- من أنصاره وأتباعه من يخلع عليه ألقاب القديسين، ويلبسه مسوح العارفين، ولا يقبل فيه أو له تدنيا عن تلك المنزلة قيد أنملة، ولا يُجِيُز في حقه ذمًا ولا قدحًا، لا تلميحًا ولا تصريحًا، وكأنه المعصوم أو فوق المعصوم!
وتجد أيضًا من أنصاره ومؤيديه من يرى كلامه وكأنه وحيٌ مختوم، أو تنزيلٌ معلوم، أو قبس من نور الذكر معصوم!
وكأنه نبي آخر الزمان الذي يحمل راية الإيمان، وباتِّبَاعِه تُفَتَّحُ أبواب الجَنان، وفي مخالفته الهلاك المبين، والذي يفضي إلى ورود سبيل المجرمين، والسقوط في بئر جهنم اللعينة!
في المقابل ترى أعداءه وخصومه يرونه في صورة الشيطان الرجيم قد تجسد في ثوب بَشَرٍ لعين، لإضلال من على وجه البسيطةِ أجمعين، عن حقيقة وصحيح الدين، أو كأنه مندوب إبليس بل هو شيخه وأستاذه، الذي تعلم منه إبليس طرائق شتى -لم يكن يحسنها أو يعرفها أو يسمع عنها- في تدمير عقول و قلوب المؤمنين!
و أما أنا فإنه لا يعنيني هؤلاء ولا أولئك في شيء، فما المرُيد أو الخصم في العير ولا في النفير، وإنما ما يعنيني هنا هو "سيد قطب" نفسه وليس غيره ، وإن كنا لا نستطيع أن ندرسه دراسة حقيقية بمعزل عن هذا كله .
ولكن سيظل أعظم ما أهتم به في هذه السلسلة من المقالات ليس هو مجرد التأريخ لشخص "سيد" فقد كُتب في ذلك الكثير والكثير، ما بين مؤيد و معارض، لكن الذي أهتم به – بحقٍ- هو ما لم ينشر وما لم يهتم به طرفي الخصام حول "سيد" ، سواءً من مريديه أو كارهيه، أو ما لا يعرفه مؤيده و مهاجموه عنه!
لكن قبل أن نخوض في أمر "سيد قطب" وحياته ومماته وأفكاره، وما كان عليه من تطرف التطرف، بما لا تخطئه عين الفاحص، ليسمح لي القارئ المكرم، أن أتوقف هنا و في المقال القادم –إن شاء الله- عند أمر أراه من العجب العجاب في شأن "سيد"، إذ لاحظت وأنا في غمرة البحث أن تطرف "سيد" كان كأنه العدوى التي انتشرت في كل من عرفه أو قرأه أو اقترب منه، أو أحبه أو حتى أبغضه!
فتجد أنه من أعجب العجب في كون خصوم "سيد" و محبيه –على حد السواء- أنهم قد أصابهم التطرف في البغض والحب –على جهل من الطرفين بحقيقته تمامًا كما كان جهل "سيد"! نفسه بالدين وحقيقته وعلومه!، فتجد من أحبه متطرفًا أشد التطرف في حبه له وتعصبه لشخصه، في حين أنك تجد من كرهه كذلك متطرفًا بأقصى درجات التطرف في كراهيته له والتعصب ضده!
هو أمر يستحق التوقف عنده، ودراسته، لا سيما إذا تبدى لنا أن الطرفين – ومن عجبٍ أيضًا- على اختلاف ما بينهما من البون والبغض، قد تخلق بينهما قدر مشترك وهو جهلهم معًا بحقيقة حاله!
فلا أولئك ولا هؤلاء يكادون يعلمون شيئًا حقيقيًا دقيقًا مدققًا علميًا عن تفاصيل حياته وأصل أفكاره، ولا يعرفون أسباب انحرافه فكريًا ومنهجيًا بل و نفسيًا، ولا تفاصيل حياته في طفولته و شبابه و كهولته و رجولته و التي أثرت كل التأثير في مستقبل أيامه حتى مات.
تجد أن كلا الفريقين قد توقف عن المرحلة الأخيرة من حياته أو ما يعرف بــ "المرحلة الإسلامية في حياة سيد قطب"، و لكن لا محبوه يقبلون ما غيرها ولا مبغضوه يعرفون شيئًا عن كان قبلها!
لذلك فإنني أقرر لمحبي "سيد" و مبغضيه على حدٍ سواء : أن الحقيقة الثابتة تقضي بأنه من لا يعرف "سيد قطب" طفلًا و شابًا لا يمكنه بحالٍ أن يفهم أفكاره و أحواله و تقلباته و تغيرات حياته كهلًا و شيخًا .
ليبق الثابت في الأمر أن حياة "سيد قطب" مليئة عن آخرها بالعجائب و الغرائب و التناقضات والمتناقضات، و التحولات والتغيرات والتقلبات ، بحيث لا يمكن بحال أن تصدر تلك التناقضات من رجل سوي النفس ، متزن العقل ، غير مشوش الفكر، ولا مريض القلب، ولا شك أن من يقرأ "سيد قطب" و يعرف حياته، فإنه سوف يجزم أنه أمام شخصية مريضة بمرض نفسي معقد كان لهذا المرض أسباب عدة، كما كان له أبلغ الأثر في حياته و اختياراته وأحواله، بل كان سببًا كبيرًا، في ولوجه لسبيل استحق بسببه أن يعلق على أعواد المشانق!
ولسوف نأتي على ذكر بعض تلك الأسباب –إن شاء الله- في ما بعد.
وفي المقال القادم للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية .