الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"آلهة مصر".. لعبة أطفال في فيلم أمريكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأ الأسبوع الماضى عرض الفيلم الأمريكى "آلهة مصر"، إخراج اليكس بروياس، وتمثيل برنتون ثويتس، وكورتنى إيتون، وجيرارد باتلر، بطل فيلمى "300 ضربة"، ونيكولاى كوستر- والدو، وجيفرى راش، وإيلودى يونج، وعدد آخر من نجوم الصف الثانى فى هوليوود.
يعيد الفيلم رواية الأسطورة الرئيسية فى الميثولوجيا المصرية القديمة، الخاصة بنشأة مصر، وصراع الآلهة تحت رئاسة الإله الأكبر "رع"، وقتل إله الشر والظلام "ست" لأخيه أوزيريس، إله الخير والنماء والخصوبة، ونجاح "إيزيس" زوجة "أوزيريس" فى لم أشلاء زوجها، وحرب الثأر الطويلة بين "حورس"، ابن "أوزيريس" و"إيزيس" ضد "ست"، كما يتناول عددًا آخر من الأساطير والآلهة مثل حتحور ربة الجمال، وأنوبيس إله الموتى وأبوالهول وغيرها، وهو أول فيلم هوليوودى يتناول الأساطير المصرية بهذا التركيز.
لكن الفيلم الذى كتبه كل من بورك شاربليس، ومات سازاما، يروى الأسطورة على الطريقة الهوليوودية، فيمنح البطولة لكائن بشرى هو الشاب المصرى الوسيم "بيك"، صاحب العيون الزرقاء والشعر الأصفر، وحبيبته "زايا"، التى تلقى مصرعها على يد أعوان "ست"، فيسعى "بيك" إلى إنقاذها من الموت بالتحالف مع "حورس"، ويعيد إليه عينيه اللتين اقتلعهما "ست".
الخط القصصى "البشري" الذى أضافه الفيلم ثقيل، فوق أنه غير منطقى وغير قابل للتصديق الفني، والتصديق الفنى يختلف عن تصديق الواقع.. فى الميثولوجيا الإغريقية يتعايش البشر والآلهة وأنصاف الآلهة معًا، لكن المسألة مختلفة فى الميثولوجيا المصرية والشرقية عمومًا، حيث يوجد حاجز لا يتم تجاوزه بين الآلهة والبشر، وأساطير الآلهة بشكل عام تروى بشكل رمزى مفاهيم غيبية عن نشأة الكون ومصر وسر الزراعة، وما بعد الموت، ثم أن هذه الآلهة تتسم بصفات خارقة فوق بشرية، وكما يظهر فى الفيلم يبدو التدخل البشرى بين الآلهة عبثيًا ومضحكًا ولا يعقل.
كان الأولى بفيلم "آلهة مصر" أن يركز على صراع الآلهة فقط، ولكن رغبة الصناع فى إضافة البشر كما توجد فى الأساطير الإغريقية، أحدثت خللاً ليس فقط فى المصداقية، ولكن فى بناء الفيلم، لأن الرحلة الرئيسية التى يتحتم على "حورس" أن يقطعها ليحقق انتقامه واستعادة عرش والده تتقاطع مع رحلة "بيك" ومحاولته لاستعادة حبيبته من الموت، ويتوه بينهما المشاهد كما تاه صناع الفيلم، ولا يجد بوصلة يركز عليها، وترتكز عليها الدراما.
الفيلم يضم عددًا من المعارك والمشاهد الخيالية الأخاذة، ولكن المؤثرات البصرية ليست مصنوعة جيدًا بمقاييس هذه الأيام التى تطورت فيها المؤثرات بشكل مذهل، حتى إن الفيلم يبدو وكأنه مصنوع فى الثمانينيات، قبل زمن "حديقة الديناصورات".. ويبرز هذا العيب بوضوح بسبب الأماكن التى تم تصوير الفيلم فيها.. لا يوجد مشهد واحد تم تصويره فى المواقع الأصلية للأحداث، أى مصر، وكل الخلفيات عبارة عن ديكورات سيئة أشبه بالرسومات أو أفلام هوليوود الستينيات.
ولأن أصحاب الفيلم لم يتعبوا أنفسهم فى تصوير مصر الحقيقية، أو على الأقل الإيهام بأنهم يصورون فى مصر الحقيقية، فهم لم يتعبوا أنفسهم أيضا فى اختيار الممثلين الذين يصلحون للعب أدوار المصريين والآلهة المصرية، وكل الممثلين تقريبا ملامحهم وأجسادهم أوروبية، وحتى عندما أتوا ببعض الشخصيات الثانوية بممثلين لهم ملامح شرقية، جاءت هذه الملامح عربية وشرق أوسطية وليست فرعونية.. حتى إن الفيلم يبدو وكأنه لعبة فيديو أكثر منه دراما سينمائية.
كان الأولى أن يُصنع فيلم مصرى عن الأسطورة الأعظم فى تاريخ مصر والعالم، وكان الأولى أن يصور هذا الفيلم فى مصر، وأن يشارك فى كتابته متخصصون فى علم المصريات وفى تمثيله وجوه مصرية، مثلما نجد فى الأفلام التى تتناول أساطير هندية أو صينية أو إفريقية.
ولكن بما أننا عاجزون عن صنع فيلم من هذا النوع، وبما أننا نعامل وكأننا غير موجودين على الخريطة، وبما أننا دولة طاردة لصناع الأفلام العالميين، فليس من حقنا أن نهاجم أو ننتقد، ويكفى أن نجلس ونتفرج ونشكر صناع الفيلم لأنهم تذكرونا!