الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل تسمحوا لنا بالاختلاف؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للوطن، وللحق، وللخير نكتب لا لسين أو صاد.. لما نعتقد أنه الصواب والذى يحتمل الخطأ نُناقش ونختلف ونتفق ونتحاور فى وقت صار فيه الصمت خُذلان. لم نعُد فى ترف التجارب خاصة فى أحوال الاقتصاد التى لم تعُد تسُر حبيبا، وأصبح مُناقشتها بهدوء وروية ضرورة لازمة. إننا نعلم أن عالم الاقتصاد له ألف وجه، وتصور وتحضرنا مقولة الاقتصادى العظيم «جون مينارد كينز» «أنك لو سألت خمسة إقتصاديين عن رأيهم فى قضية معينة فإنك ستحصل على ست إجابات مختلفة».. ويقينا فإن التصور الذى تتبناه الدولة المصرية والمختلف عن تصورات كثير من الاقتصاديين يدفعنا إلى حالة انكماش مُحبط. إننا يجب أن نعترف أن حجم الطموح الذى كان يملؤنا جميعا بعد ٣٠ يونيو أكبر كثيراً من إمكانياتنا وقدراتنا، لذا فإن استنزاف موارد الدولة فى مشروعات كُبرى كان توجها خاطئا، لأن الأولى خاصة فى حالات الانكماش التابعة للثورات والحروب والاضطرابات أن يتم إصلاح المنظومة أولا والخروج من حالة الانكماش قبل التوجه لمشروعات عملاقة لن نرى عوائدها إلا على المدى البعيد. كان بعض الاقتصاديين وخُبراء المال يرون أن المشروعات الأولى بالرعاية هى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأن المشروعات الكبرى تكسب سياسيا لكنها محدودة المكاسب اقتصاديا خاصة أننا نستهدف التشغيل بأعلى معدل له لتغطية نحو ٨٠٠ ألف إضافة سنوية إلى سوق الباحثين عن عمل.. ويبدو أن «هتيفة» كُل عهد سارعوا بوأد أى نقاش موضوعى حول جدوى ضخ المليارات فى مشروعات كُبرى وصفقوا وأيدوا، بل ووصموا مَن يُخالفهم فى الرأى بخصوم الوطن والخونة.
ولست ممن يرون تحميل تبعة التوجه الغلط للاقتصاد المصرى لوزراء المجموعة الاقتصادية وحدهم، فمعظم هؤلاء محدودو القدرات ويفتقدون تبنى الأفكار وطرح المُبادرات، ومقارنة بسيطة بينهم وبين أفذاذ مثل محمود محيى الدين ويوسف بطرس غالى ورشيد محمد رشيد توضح الفارق. وأتصور أن حماس الرئيس السيسى لسرعة الإنجاز على أرض الواقع فيما يخص مشروعات مثل قناة السويس لم يكن توجهاً سديداً، خاصة أن الدول التى مرت بتجارب شبيهة حاولت ضغط نفقاتها فى السنوات التالية وتقليص وارداتها وتوجيه جُل اهتمامها لمشروعات إنتاجية كثيفة العمالة. لقد كنت أتدثر بالدهشة عندما أتابع طلب القيادة السياسية بإنجاز مشروعات يفترض أن تستغرق عامين وثلاثا خلال عام واحد، لأن أحدا لم يكن يُعلّق بأن ذلك الحماس يؤدى إلى مضاعفة الإنفاق وزيادة الاستيراد بما يُشكل ضغطا على العملة الصعبة وموارد البلاد. 
إن مشكلة المشروعات الكُبرى أنها تستنزف موارد الدولة الدولارية لأن تنفيذها يستلزم استيراد معدات وماكينات ومواد أولية ومستلزمات إنتاج وتقنيات لا حصر لها، بينما تتأخر العائدات لسنوات طويلة وعقود فى بعض الأحيان. وتصحيح المسار ضرورة وممكن لو أعدنا الاعتبار لفضيلة الحوار والمُناقشة خاصة فى القضايا الاقتصادية التى تمس قوت المصريين، فليس عيباً أن نتعثر خطئا نتيجة التعجل والحماس، لكن العيب أن نخلُد للتيه ولا نُقيّم ما أنجزنا بصدق وإخلاص ودون تسييس. 
والله أعلى وأعلم