الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالصور.. مصرف "كتشنر" يدمر صحة أهالي كفر الشيخ.. 16 مصنعًا تصرف مخلفاتها الكيماوية به.. أستاذ كبد: مواده السامة تُدمر خلايا المخ وتُسبب الفشل الكلوي وسرطان الكبد.. وزير الري: المُشكلة أمام الرئيس

مصرف كتشنر
مصرف كتشنر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن يعرف المصريون، وتحديدًا أهالي محافظتي كفر الشيخ والغربية، أن اللورد البريطاني "كتشنر"، والذي قاد الغزو الثنائي على دولتي مصر والسودان، عام 1889، وأنشئ خلالها عددًا كبيرًا من الترع والجسور والمصارف، من بينها مصرف يربط بين المحافظتين، أُطلق عليه اسمه "مصرف متشنر"، والذي أصبح سببًا لمأساة الملايين، الذين يعيشون على ضفافه منذ عشرات السنين.
وبالرغم من وفاة اللورد "كتشنر"، عام 1916، ورحيل الإنجليز رسميًا، وبصورة نهائية عن مصر منذ ما يقارب الـ60 عامًا،  إلا إن آثار الاحتلال، ومساوئ اللورد كتشنر، مازالت باقية في المصرف، الذي شقه لري عشرات الآلاف من الأفدنة.
مشكلة مصرف كوتشنر، بكفر الشيخ، باتت مؤرقة على مدى الـ30 عامًا الماضية، وتعاقبت الحكومات الواحدة، تلو الأخرى، والكل يعد بحلها، ولكن رحلت الأنظمة والحكومات المتعاقبة، وبقيت "مشكلة كتشنر".
تكمن مشكلة مصرف كتشنر أو ما يعرف بمصرف "الغربية الرئيسي"، في إنها كارثة بيئية بالأساس، تحتاج إلى حلٍ قاطعٍ وجذري، لا لمُسكنات وفقط، المصرف الذي يبلغ طوله 85 كيلومتر تقريبًا، وعرضه في حدود 200 متر، يمر منه قرابة الـ45 كيلو في محافظة كفر الشيخ، وتحديدًا في حدود مركزي "بيلا" و"الحامول" و"البرلس"، و"الرياض"، في أنه ملئ بالسموم، حيث يصب فيه مخلفات 16 مصنعًا بالغربية وكفر الشيخ، منها مخلفات كيماوية لمصانع النسيج والغزل والمصابغ.
وبالرغم أنه تم عرض مشكلة المصرف من خلال المحافظين السابقين لكفر الشيخ على ‏10‏ حكومات سابقة، إلا إنها لم تفعل شيئًا، إذ كانت تكتفي جميعها بإصدار توصيات من خلال مؤتمرات وندوات وأبحاث، دون أن يتم تنفيذ أي شيء على أرض الواقع.
ويقول الدكتور فيصل متولي، الأستاذ بجامعة كفر الشيخ، إن مشكلة المصرف تكمن في خلط المياه الملوثة بالمواد السامة بالمياه العزبة للمصرف، نتيجة صرف ‏16‏ منشأة صناعية من الغربية، وكفر الشيخ، مؤكدًا أن المصرف يقوم بري أراضي 4 مراكز، من المراكز العشرة بالمحافظة، إضافة إلى وصول مياهه إلى مصدر محطة مياه الشرب، بالحامول، ليصبح الأمر كارثة حقيقية،‏ انتهاء بصب مياه في بحيرة البرلس.‏
الدكتور صلاح علي عبدالوهاب، أستاذ البيئة والمياه والأراضي، بمركز البحوث الزراعية، والحاصل على الدكتوراه في خطورة مياه كوتشنر، أكد أن من أهم أسباب زيادة انتشار أمراض الفشل الكلوي، وسرطان الكبد بكفر الشيخ، وجود هذا المصرف اللعين، فمياهه تحتوي على العديد من المواد السامة، الناتجة عن مُخلفات صرف المصانع، حيث تحتوي على الحديد، والرصاص، والزرنيخ، والكوبالت، والنيكل، والماغنيسيوم، والكادميوم، والمنجنيز، وغيرها من المواد السامة التي يصعب التخلص منها تحت أي ظرف من الظروف.
وأشار عبدالوهاب إلى أنه لا يمكن حلّ ذلك إلا إذا تم إنشاء محطات لتنقية ومعالجة الصرف الصناعي لجميع المنشآت الصناعية،‏ التي تصرف في "كوتشنر" لافتًا إلى أن المشكلة تكمن في قيام مسئولي الري بخلط مياه المصرف كوتشنر، بمياه بحر تيرة العزبة، بنسبة معينة لري أراض بقطاع المنصورة، والحامول، وبلطيم، وبعض أراضي الرياض وسيدي سالم.
وأضاف أستاذ البيئة بمركز البحوث الزراعية، أن الطامة الكبرى تكمن في وصول مياه كوتشنر السامة إلى بحر تيرة، عن طريق نقطة، عن طريق الالتقاء بينهما في منطقة محطة صرف رقم ‏5‏، عندما تشح المياه أثناء السدة الشتوية، حيث تعود مياه كوتشنر إلي بحر تيرة، فتصبح مصدرًا لمحطة مياه الشرب بالحامول، وهنا الكارثة، لأنه في هذه الحالة لا تستطيع محطة مياه الحامول بإمكانياتها الضخمة علاج مشكلة مياه كوتشنر، بما تحتويه من سموم، وبالتالي تصبح مياه الشرب بمحطة الحامول في تلك الأثناء ملوثة بالسموم‏.‏
وأشار الدكتور محمد جلال، مدير مركز الكبد السابق بكفر الشيخ، إلى أن المواد السامة الموجودة في مصرف كوتشنر، إذا وصلت إلى الإنسان، فإنها تتسبب في إصابته بالفشل الكلوي والكبدي، وتدمر خلايا المخ، فإذا تم استخدامها في ري النباتات، فإنها تضر الإنسان على المدى الطويل، أما في حالة وصولها إلى مياه الشرب، بأية وسيلة من الوسائل، فإن الضرر الواقع في هذه الحالة يكون أخطر وأسرع، لأنه يدخل إلى المعدة مباشرة.
وطالب "جلال"، بضرورة إنشاء محطات تنقية للصرف الصناعي للمصانع، التي تصرف مخلفاتها في مصرف كوتشنر، وبالتالي يمكن بعدها استخدام مياهه في ري الأراضي لحل أزمة مياه الري‏.‏
أما محمد عطية، من أبناء قرية "متبول"، وأحد المتضررين من وجود المصرف، أكد أن كثيرًا من المسؤولين، وعدوا بحلٍ المشكلة، خلال زيارتهم للمحافظة في سنوات سابقة، منها وعد جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، أثناء زيارته لمركز الكبد في كفر الشيخ عام ‏2006،‏ بأنه سيتولى حل مشكلة "كوتشنر"، بنفسه، ووعد لرئيس الوزراء الأسبق، أحمد نظيف، في نفس العام، أثناء زيارته للمحافظة بضخ ‏200‏ مليون جنيه، لبدء إنشاء محطات للصرف الصناعي، للمنشآت التي تصرف في كوتشنر، ووعد آخر لنظيف نفسه في عام ‏2010،‏ أثناء جلسة مجلس المحافظين في قاعة الشباب والرياضة بكفر الشيخ، أنه سيتم البدء في تنفيذ محطات تنقية الصرف إلا إن ذلك لم يحدث، فهل تستطيع حكومة شريف إسماعيل، حل هذه المشكلة المعقدة؟ أم أنها ستصبح كغيرها حكومة كلام لا أفعال؟‏!‏.
ويؤكد بسيوني يسري، "المحامي"، أن مصرف كوتشنر؛ تسبب في كارثة بيئية، تصيب آلاف المواطنين بأمراض خطيرة كالفشل الكلوي وسرطان الكبد؛ نتيجة إلقاء محافظتي الغربية وكفر الشيخ مخلفاتهما الصناعية بالمصرف، إضافة إلى توصيل الصرف الصحي به، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد حل للمشكلة، واقتصار دورها على إصدار توصيات دون تنفيذ على أرض الواقع.
خاصة أن المصرف يخدم زمام مساحته 457 ألف فدان، إضافة إلى وصول مياهه إلى مصدر محطة مياه الشرب بالحامول، ليتحول الأمر إلى كارثة حقيقية.
يقول المهندس فايد الشاملي، مدير شئون البيئة بكفر الشيخ، إن مشكلة تلوث بعض الترع الرئيسية؛ نتيجة إلقاء بعض مصانع القطاع العام والخاص مخلفاتها في المجاري المائية، لافتًا إلى أن خطة للوزارة تلزم المصانع بتركيب فلاتر لتنقية مياه الصرف، بالتنسيق مع وزارة الري والموارد المائية والاستثمار والصحة، الأمر الذي يتطلب اعتمادات مالية لإنشاء محطات تنقية على مصارف التلوث ومنها "كوتشنر"، بتكلفة أكثر من 80 مليار جنيه.
وأكد الشاملي، أن الدكتور حسام مغازي، وزير الري، في زيارته الأخيرة بكفر الشيخ، أصدر تعليمات بوضع مجموعة من الحلول العاجلة للمصرف، تتمثل في دراسة إنشاء قناة خرسانية مجاورة للمصرف وموازية له، تخصص لاستقبال مخلفات الصرف الصحي والصناعي، وتكون منفصلة عن قطاع مصرف كوتشنر، مع تحديد دقيق لمصادر التلوث على مسار المصرف من حيث الكمية والنوعية؛ لدراسة تركيب وحدات تنقية على المصارف الفرعية التي تغذي المصرف لتقوم بمعالجة وتنقية المياه قبل وصولها للمصرف الرئيسي من خلال تجميع مناطق بؤر التلوث وكمياته ولإعداد دراسة علمية لمنع تلوث مياه المصرف.
وكان أهالي قد طالبوا اللواء السيد نصر محافظ كفر الشيخ الاهتمام بالمشاكل المزمنة، التي لم يتم حلها على مدى عدة عقود رغم طرحها على عدد من المحافظين السابقين، ورغم وعودهم المتكررة لم تتخذ خطوات إيجابية لحلها وخاصة مشكلة كتشنر، ووعد المحافظ بقرب حلها، وأن الرئيس خلال زيارته لسنغافورة، اطلع على التجربة السنغافورية في هذا المجال، مضيفًا أن مشكلة المصرف الآن على مكتب الرئيس.