دخول «عربن» النقد الذاتى فى أمر يمس الشعب بمختلف شرائحه هو فى نظر البعض بمثابة الاقتراب من «التابوهات» غير المستحب التطرق إليها.. رغم أن النقد لم يعد مجرد حق لكنه أصبح طقسًا يوميًا يمارسه الجميع على أى وكل شىء حولنا. وسط هذا الكم من الآراء والمقالات التى تركز أغلبها على جزئية الحقوق مع إشارات خجولة إلى الواجبات.. فى رؤية أقرب ما تكون إلى وضع الشعب داخل «حضانة» القصور فى الوعى أو اعتباره مجرد كتلة سلبية لا دور لها سوى مطالبة الحكومة بإيجاد حلول سحرية لكل هموم المواطن اليومية، دون أى إشارة فى المقابل إلى دوره أو مسئوليته عن تفاقم الكثير من الأزمات التى يعانى منها الشارع. الحكومة لها رب يحميها.. وتملك من أدوات الدفاع عن أدائها.. كما أن وقائع القصور فى الأداء لم تعد تخفى على أحد لكن فى إطار كل الدعوات إلى الاقتداء بالتجارب العالمية التى حققت بها الدول بناء سياسيًا واقتصاديًا راسخًا خصوصًا ما كُتِب خلال زيارة الرئيس السيسى مؤخرًا إلى اليابان وكوريا الجنوبية.. من المؤكد أن هذه النجاحات لم تبن على أسس فردية تمثل الحكومات فقط، لكنها حققت التميز عبر تحمل الشعوب دورها فى البناء.
المثير للدهشة أن نفتقد فى كتابات بعض الأقلام الجادة - على سبيل المثال لا الحصر - د. محمد أبوالغار، د. عمرو الشوبكى، أسامة الغزالى حرب.. التوازن الموضوعى فى تقييم الأدوار.. تحمل القوى الحاكمة فى مصر وزر عدم وجود أحزاب سياسية أو قوى شبابية منظمة رغم أن كل مساوئ المناخ السياسى قبل ثورة ٢٥ يناير لم تقف عائقًا أمام ممارسة هذه الشخصيات - التى تحظى بكل التقدير - ولا غيرها دور سياسى مهد للتغيير. الأحزاب والكتل السياسية تستمد قوة تأثيرها من تعبيرها عن الشارع، ولن يجدى ألف قرار حكومى فى صنع حزب قوى، بدليل انهيار حزب مثل الحزب الوطنى أمام إرادة شعبية صادقة.
بعيدًا عن تقديس الوعى العام لا يمكن إغفال تداعيات دوره السلبى فى الكثير من المآخذ التى تتناولها آراء وأقلام النخبة.. خصوصًا أن فترة الخمس سنوات الماضية تعتبر مدة زمنية كافية، فى حال وجود الوعى والجدية، لبناء تكتلات سياسية مؤثرة.. فى المقابل مع كل الاستفاضة التى تتضمنها كتاباتهم عن نقد الأداء البرلمانى لا يجد القارئ حتى إشارة إلى خطورة نتائج الخطأ الذى ارتكبته شريحة كبيرة - من جيل الشباب - بعزوفها عن المشاركة، مما مهد الطريق أمام بعض الظواهر السلبية التى أحاطت بنتائج الانتخابات، والتى قطعًا لم يكن ضمنها التزوير حتى بشهادة أكثر الأطراف تربصًا بمصر.. بالتالى لعبت المقاطعة الساذجة دورها فى إدخال وجوه أصبحت اليوم تشكل عبئًا على الأداء البرلمانى مع ضرورة الاعتراف بأن الانتخابات أسفرت عن برلمان تميز بتنوع شديد من ممثلى أحزاب مختلفة، وهى خطوة أولى نحو قيام منظومة سياسية رغم ضعف الأحزاب الحالية، وعجزها عن إكمال مقومات العملية السياسية.
غاب عن أغلب أقلام «المبهورين» بالتجربة اليابانية العملاقة أن اليابان لم تنهض بعد دمار قنبلتى «ناكازاجي» و«هيروشيما» عام ١٩٤٥ بأدوات السلبية والمقاطعة وكل ما يندرج تحت قاموس المراهقة السياسية.. ولم تقم فقط بناء على قرارات حكومية.. لكنها راهنت على وعى وقدرة شعبها على العمل وتحمل الكثير من المشاق فى مرحلة البناء. الدرس الأساسى من واقع التجارب الناجحة لدول العالم يثبت أن جدية الشعوب فى ممارسة أدوارها هى التى فرضت نفسها على الحكومات وأجبرتها على تصحيح الكثير من الأخطاء والقصور فى الأداء، ولم تتم وفق المنطق العكسى الذى تتبناه بعض الأقلام - مع كل التقدير لدورها الوطني - فى تغذية الجانب السلبى لدى الشعوب.
«شماعة» الحكومة عليها فعلًا تحمل مسئولية مئات الملفات المهمة، بالتأكيد لا يندرج ضمنها - منطقيا - وزر عدم تكاتف القوى المدنية فى إطار حزب أو تكتل مؤثر ينجح فى تحفيز الشارع نحو المشاركة فى عملية البناء السياسى والاقتصادى.. هدف لن تكتمل ملامحه عبر خلط الأوراق الذى تحفل به مقالات د. عمرو الشوبكى ود. أبوالغار لدرجة أن الأخير تغاضى فى مقاله (حتى لا يعود حكم الإخوان) عبر مقارنة غير منطقية بين رؤساء مصر عن كل المبادرات العملية التى طرحتها مؤسسة الرئاسة لإشراك الشعب - شريحة جيل الشباب تحديدًا - فى العملية السياسية والاقتصادية.. إذا كانت كل هذه المبادرات فشلت فى إقناع د. أبوالغار أن الرئيس السيسى لديه قناعة حقيقية وإيمان بالمشاركة فى العمل السياسى الجاد.. فإن الإفراط فى «تدليل» الشباب فى إيحاء يصل إلى درجة توصيل حقوقهم إلى المنازل «ديلفيري» بدلًا من العمل للحصول عليها كحق مكتسب وفق إطار وعى سياسى من المفترض أن ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو قد أنضجتاه.. هى دعوة قطعًا لن تحقق «اليوتوبيا» التى ينشدها د. أبوالغار أو د. عمرو الشوبكى.