الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الفريق عبدالمنعم رياض.. الشهيد الرمز

الفريق عبدالمنعم
الفريق عبدالمنعم رياض
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق "القائد.. الرمز.. الشهيد" حسبما قال عنه المتحدث العسكري السابق العقيد أحمد محمد على. 
نشأته
في الثانى والعشرين من شهر أكتوبر 1919 في قرية (سبرباى) إحدى قرى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، ولد الشهيد البطل، وهذا فخر لها بأنها أنجبت بطلًا يفخر به كل أبناء مصر والعالم العربى، يعود نسب الفريق عبدالمنعم رياض، لأصول عريقة، فوالده محمد رياض، واحد من رعيل العسكريين المصريين القدامى، اشتهر عنه الانضباط والأصالة العسكرية.
مراحل الطفولة
كان عبدالمنعم رياض طفلا ذكيا نشيطا لماحًا يمتاز بحب الاستطلاع والاكتشاف؛ مما جعله يسبق أقرانه في تفوقه العمرى بمراحل، وكان والده يتنبأ له بمستقبل باهر، وكان يوجه أسئلة كثيرة لأبيه عن عمله وعن حياته العسكرية.
وكان عبدالمنعم رياض يذهب للكتاب، ويحفظ أجزاءً من القرآن، وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1931، من مدرسة الرمل بالإسكندرية، وتوفى والده وهو ما زال في الثانية عشرة من عمره.


مرحلة المراهقة والصبا

كان يغلب عليه الاهتمام بالقراءة، عاشقًا للسؤال والاكتشاف ومعرفة العالم من حوله، وفى المرحلة الثانوية، بدأت تتشكل شخصيته ويتحدد هدفه، وكان له اهتمامات أخرى بالرياضة والكشافة والبلاغ، وعرف عنه حبه للزعامة وقدرته على احتواء زملائه.
التحق بالكلية الحربية في 1936، وحقق حلمه وتفوق على ذاته، وكان يحيا بفكر ضابط وعقلية عالم، وكان دائمًا صاحب فكر ورأى مؤثر في الأحداث من حوله، ولم يرضَ بالظلم أو الإهانة؛ مما جعله مشهورًا في كليته بعزة النفس والدفاع عن حقوقه وحقوق زملائه، بكل أدب وشجاعة وكرامة.

أقواله المأثورة: 
"كن دائما بين جنودك في السلم ومعهم في الصفوف الأمامية في الحرب"، و"حافظ دائما على مسافة كبيرة بينك وبين كل مرءوسيك في تحصيلك ووعيك بالعلم العسكري"، و"كن قدوة صادقة لجنودك"، و"احمل معك ميزانا حساسا للثواب والعقاب"، و"اهتم بشئون جنودك ومشاعرهم"، و"لا تجعل جنودك حتى في أحلك الظروف واللحظات، يرون عليك علامات القلق والارتباك"، و"لاتسرع في قراراتك وحينما تقرر لا تتراجع ولا تتردد"، و"لا تكن تقليديا أو نمطيا واسعَ للإبداع والابتكار"، و"لا تتكبر ولا ترفع الكلفة"، و"دوِّن خواطرك وتأملاتك في لحظتها"، و"لا تنس أبدا أن معظم النار من مستصغر الشرر".
وقال أيضًا: أخطاء الصغار صغيرة ويمكن معالجتها، ما دامت بغير قصد، وحتى في حدود ممارستهم لحق التجربة والخطأ، أما أخطاء الكبار، فإنها دائمًا كبيرة، وقال ذلك عندما كان ينتقد بعض القادة، وخاصة بعد هزيمة يونيو 1967م.
وقال إن القوات الإسرائيلية مجرد برواز ساطع ولامع، ولكننا بمجرد أن نخترق البرواز، لا نجد بداخله تفاصيل صورة حقيقية، فليس داخل البرواز اللامع شىء غير الفراغ.


من تحذيراته:
في محاضرة ألقاها قبل عدوان يونيو 1967، بشهر واحد، قال فيها: " لن تكتفى إسرائيل برقعتها الحالية، إن الخطوة التالية عندها هي الاستيلاء على الضفة الغربية للأردن - جنوب لبنان، ولها تطلعات في الإقليمين السورى والمصرى، تسعى إسرائيل إلى التفوق النووى حتى تتغلب على وحدة العرب، وتعوض عن طريق الرعب النووى.
أعتقد أن التحذير واضح، وما يحدث الآن مع إسرائيل، وما تفعله في الشرق الأوسط عامة، وفلسطين ولبنان وغزة خاصة، وبعد وفاته بأكثر من أربعين عامًا، لا يحتاج إلى تعليق !


رؤيته في العدو الإسرائيلى:
كان يرى أن القوات الإسرائيلية مجرد برواز ساطع ولامع، ولكننا بمجرد أن نخترق البرواز، لا نجد بداخله تفاصيل صورة حقيقية، فليس داخل البرواز اللامع شىء غير الفراغ.

مواقف إنسانية في حياته:
مواقف إنسانية كثيرة بسيطة، ولكنها تشير وتدل على إنسانيته.
زيارته إلى الجبهة لمقابلة الجنود في إحدى الليالي الباردة، وشاهد جنديًّا يقف في حراسته وهو يرتعش من البرد، فتوجه إليه وسأله عن معطفه ؟ فأجابه الجندى قائلا: " أعرته لزميل خرج في مأمورية"، فما كان من الفريق "رياض" إلا أن خلع معطفه وأعطاه للجندى ليرتديه، ووجه إليه كلامه قائلا:" في الصباح لا تنسى أن تعيده إلى".

مشاعر وأحاسيس الفريق رياض:
قال ذات مرة لصديقه "فكرى مكرم عبيد": "عايزين ننمى في أنفسنا حاسة الإحساس بالواجب، عارف لو كان كل واحد في البلد عرف واجبه وحرص على تأديته بدوافع ذاتية، وبغير خوف من العقاب، أو طمع في الثواب - مفيش قوة في العالم تقدر تقهرك يا مصر".
ويقول أيضًا صديقه: إنه كان يعلق على نكسة 67، ويقول "المحنة دى هاتعدل البلد وهاتنشلها من جديد " وصدق شعوره وحدسه.


الساعات الأخيرة قبل استشهاده:
قبل استشهاده بأسبوعين يطلب من سكرتيرة استمارة المعاش الخاصة به من شئون الضباط، والتي بمقتضاها يصرف الورثة معاشه، ومنحة الثلاثة شهور، إضافة إلى مصاريف الجنازة، تذكر أنه لم يملأ هذه الاستمارة في ملفه العسكري، وبالطبع الدهشة عقدت لسان السكرتيرة.
وتساءل:" بعد 31 سنة خدمة في القوات المسلحة، هل يعقل أن الفريق نسى أن يملأ استمارة معاشه، وأن الضابط عادة يملأ هذه الاستمارة فور تثبيته في رتبة الملازم، ثم لماذا لم تخطر بباله مسألة الاستمارة بباله إلا الآن ؟ ويذهب السكرتير، والحيرة والتشاؤم يملكانه، إلى شئون الضباط لتنفيذ الأوامر، ويندهش الضابط المسئول عندما يكتشف أثناء مراجعته لملف رئيس الأركان، أنه لم يملأ استمارة معاشه بالفعل، وتملأ الاستمارة ويحدد فيها اسم شقيقته، دكتورة "زكية"، وريثة لكل مستحقاته حال استشهاده.
وتأخذ الاستمارة دون التوقيعات وتوضع في ملفه يوم الخميس، 6 مارس، وقبيل استشهاده بـ72 ساعة فقط !


الموقع رقم 6 الذي استشهد فيه الفريق رياض
اكتسب هذا الموقع اسمه من معدية صغيرة تابعة لهيئة قناة السويس، وكانت قبل تأميم القناة هي الوسيلة الوحيدة لنقل الأشياء والأشخاص من شاطئ القناة في هذه النقطة، وكانت المعدية كقطعة بحرية تحمل رقمًا (الرقم 6) هو رقمها، إلا أن كوبرى حديديًا أنشئ في هذه النقطة فأحال معدية الشركة للمعاش، وإن بقى اسمها ورقمها علمًا على المنطقة في السلم والحرب، حتى الآن.

يوم استشهاده:
في صباح يوم 9 مارس، اختار رئيس أركان حرب القوات المسلحة عبدالمنعم رياض، موقع نمرة 6 بالإسماعيلية الذي لا يبعد سوى 250 مترًا عن موقع العدو بالبر، ليتوجه إليه بنفسه؛ وذلك ليرى بنفسه تنفيذ خطة تدمير خط بارليف، والتي بدأت بالفعل في اليوم السابق.
وفى عملية خسيسة مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية، انطلقت نيران العدو على موقع الفريق عبدالمنعم رياض، واستمرت المعركة التي قادها أكثر من ساعة ونصف، ولكن شاء القدر أن تسقط إحدى الدانات بالقرب من الحفرة التي قاد منها البطل المعركة؛ ليستشهد القائد وسط جنوده.
ليختم بذلك الفريق "عبد المنعم رياض" حياة مليئة بالبطولات والإنجازات، التي حققها هذا القائد على الصعيد العسكري، والتي جعلت أساتذة الأكاديمية العليا للاتحاد السوفيتى، يطلقون عليه "الجنرال الذهبى".