الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب في الساحل والصحراء وسيناء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مفردة الإرهاب العالمي يمكن أن تجمعها بين السين والصاد، فما يجري في سيناء بالمقارنة لا يختلف كثيرًا عما يجري في الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى؛ ولعل الدول الأفريقية هي المغزى الرئيسي للإرهاب الذي تجري رحاه في شبة جزيرة سيناء.
صحراء شاسعة تتقاسمها مالي والنيجر وتشاد والسودان، وساحل تقطعه تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي ومورتيانيا، يُغطي القارة السوداء باللون الأحمر القاني جراء عمليات الإرهاب الدامي، وسيناء تقع بينهما أو تتحمل عبء هذا الإرهاب عبر عمليات الدعم اللوجستي التي تتم من خلال ليبيا تلك الدولة الأفريقية التي تجمعنا معها حدود طويلة وممتدة تسمح بنقل أدوات الحرب ورجاله إلينا.
إرهاب المغرب العربي يخضع لعدة اعتبارات منها وجود صحراء مساحتها تمتد لقرابة 10 كيلو مترات، أربع مرات ونصف مساحة الجزائر، ولا تستطيع الدول المطلة عليها إحكام سيطرتها على حدودها مع هذه الصحراء، باستثناء الجزائر التي تنشر قرابة 120 ألف جندي على هذه الحدود لا يكفون لضبط المتسللين.
لا تخضع الصحراء لسلطة غير سلطة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، فهي المغزى الحقيقي للعنف في أفريقيا وأوروبا وبوابة العنف الحقيقي في مصر، فمع تعقيدات الجغرافيا بداخلها تُسيطر جماعات العنف على مخارجها وتستخدم عمقها في التدريبات العسكرية والإيواء، وأمام الصحراء تقف دول الساحل فقيرة ومعدمة ولا يجد المواطن فيها ما يكفيه فضلًا عن عدم قدرة الأنظمة بداخلها على إحكام الأمن.
مسرح حقيقي للعمليات المسلحة في الساحل والصحراء، فأمام بحث الغرب عن مكان للاستجمام تجد السياحة الأوروبية مجالًا في صحراء هادئة ومناخ يبحث عن عشاقه، وهنا يجد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي ضالته وسط هذه الصحراء القاحلة والساحل الممتد من خطف الأجانب الباحثين عن متعة الهواء والهدوء بدعوى تطهير المنطقة من الغرب والموالين له.
الفدية التي تحصل عليها هذه التنظيمات تكفي للإنفاق على ذيولها في أقطار قريبة عربية وأفريقية، كما أن صحراء أفريقيا تُعد ساحة للتدريب، فكما أنها حافظة نقود فهي مسرح أيضًا للعمليات، ولعل هذه الصحراء السر في سيطرة تنظيمات العنف على مناطق شاسعة في ليبيا، وهي سر الدعم المزدوج بين ليبيا وسيناء في نفس الوقت.
الاهتمام الأمريكي بالمنطقة لم يكن بهدف القضاء على تنظيمات التطرف، وإنما يتعلق بالحصول على اليورانيوم الذي يُمثل عصب الطاقة النووية، فضلًا عن البترول، وهما سلاحان تبحث عنهما القوى الكبرى.
رغم أن تنظيم القاعدة صاحب الرصيد الأوفر في قارة أفريقيا بسبب ميول هؤلاء السكان إلى التيار الصوفي المعجون برؤية سلفية تميل لاستخدام العنف، وهي أفكار تبتعد كثيرًا عن قناعات ما يسمى بالدولة الإسلامية التي أفرطت في القتل، ولم تلتمس عذرًا بالجهل للمفرط في شئون الدين، وعمدت إلى توسعة دائرة التكفير، إلا أن جماعات وتيارات دينية أعلنت مبايعتها للدولة المزعومة خروجًا عن نص القارة الذي ارتأى المتطرفون فيها أن قتال العدو البعيد مقدم على قتال العدو القريب، فمالوا لأفكار القاعدة.
لعل الوضع في سيناء يختلف من حيث التركيبة عن نظيره في الساحل والصحراء، فوجود هذه التنظيمات منذ زمن بعيد وتأصيلهم للعنف على مدار أكثر من أربعين عامًا، وقربهم من جارة ألهبت مشاعر سكان المنطقة بضرورة تقديم واجب الجهاد ضدها لتحرير المقدسات الإسلامية فرض لغة تناسب الدولة الإسلامية "داعش"، فضلًا على أن المبايعة جاءت في توقيت زهو لأجهزة الأمن التي حققت نجاحات ضد هذا التنظيم وضربت بنيته التحتية في القوة البشرية والعددية فأراد إحداث النكاية بإعلان مبايعة ثم تراجع ثم أعلنها بشكل رسمي.
قد يكون هناك اختلاف بين القاعدة والدولة الإسلامية وما بينهما من حروب في سيناء، لكن هناك نقاط اتفاق على هدف متمثل في قتال ما أسمتهم بالحكام المرتدين، قد يكون هناك خلاف على توقيت وأولويات العمل المسلح لكل منهما، ولم يمنع ذلك من دعم متواصل للهدف الأسمى في إسقاط الأنظمة وتحقيق الفوضى المتوحشة بهدف إقامة دولتهم.
فشلت القاعدة في الإطاحة بنظام سياسي واحد أو الوثوب للسلطة ولو من خلال حركة طالبان الأفغانية، ولكنها في المقابل تساعد مَن يحاول إلى ذلك سبيلًا حتى ولو كان مختلفًا معها في الأيديولوجيا، فتنظيم أنصار بيت المقدس هم أبناء وتلامذة أسامة بن لادن، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لمبايعة أبو بكر البغدادي بهدف النكاية في الدولة التي نجحت في قطع أوصالهم، ولكن أعينهم وأفئدتهم مرتبطة بحبال وجبال أسامة بن لادن المقيمين فيها بالصحراء الكبرى والساحل الأفريقي.