الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

"القضية الفلسطينية" تهيمن على مهرجان القاهرة لسينما المرأة

فى دورته التاسعة التى اختتمت قبل أيام

 مهرجان القاهرة لسينما
مهرجان القاهرة لسينما المرأة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختتم مهرجان القاهرة الدولى لسينما المرأة دورته التاسعة، بعرض الفيلم الفائز «رحلة فى الرحيل»، وهو الفيلم الذى حصل على أعلى الأصوات فى المهرجان، حيث تركت جوائزه لتصويت المشاهدين. «رحلة فى الرحيل» إنتاج لبنانى فلسطينى مشترك للعام ٢٠١٤ ومدته ١٢٠ دقيقة، الفيلم يندرج تحت تصنيف السيرة الذاتية الوثائقية، للمخرجة هند شوفانى، ويتناول حياة المؤرخ والمفكر الفلسطينى إلياس شكرى شوفانى، وكما تنعاه ابنته مخرجة الفيلم: «ها هو والدى، كما أذكره، هادئًا معظم الوقت، تغلى بداخله خسارة وطن، تحترق فى عيونه ذكريات لا سبيل لوصفها بالكلمات. ها هو، فى إحدى زياراته لى فى راس بيروت، تلك القرية الصغيرة التى لا تحبنى هذه الأيام. يقرأ، كعادته. لعله ينتظر معى تناول الجزر مع الحامض، الحلوم المقلى وكم كأس من العرق. سوف أشرب أكثر منه، وسوف يفهم لماذا ويعذرنى».
«يجلس هنا أبى، يتصفح أخبارا لم تبد جديدة لى منذ طفولتى. ينغرس فى جسده سم المعرفة. تنبض شرايين يديه المتعبتين بالأنباء المرسومة على شكل حداد أبدى. تتكدس فى خدوده أطلال من الحزن ولا يتكلم».
«ينظر إلى شارع الحمرا، ذلك الشارع الذى أهداه أمى وحرب ولادتى وخوف المسئولية وشلال من النصائح التى لم يسمعها أحد، دفنت اليوم، فى هذا الزمن المترهل. يجلس عاليًا، فوق أنين الناس وضجرهم، فوق رنين الرعب فى خطواتهم، فوق شوقهم إلى شىء غير مألوف. ليس هناك شىء غير مألوف فى شارع الحمرا، حتى أسى اللاجئين لا يصدمنا، حتى فراشهم فى الأزقة، حتى أطفالهم المتسخون بلطخ التاريخ وليرات السلطان».
«يشيخ والدى بين حرب وحرب أدمى. لا شىء أستطيع قوله كى تتلاشى الجرائد المصطفة فى ذهنه. لا منفى غير هذا السكون الدائم، والأخبار ترثى لنا اسم أمى- ياسمين وغضب. ها هو والدى، هادئ. سعيد لأننى معه، ألتقط الصور وأخبره عن عملى وصحتى وأصدقائى وشعرى. يرتشف معى كأسا أخرى من العرق ويطلب الذهاب لقيلولة، علها تنفى الأخبار وابتسامات الناس فى هذا الشارع المتعب. لقد رقدت ثلاث سنوات يا أبى، لم تشرب معى كأسا ولا اشتكيت من إصرار الأمل فيك. البلاد تندب يا أبى ولم أعشق فى شارع الحمرا منذ سنة. لا بأس. أعرف أنك سوف تقول لى. هيك الدنيا. لا بأس. هيك الدنيا. سلام عليك يا أبى، لا تزال هناك شبابيك تغنى لك فى بيروت ولا تزال الغبرة فى الشام تسأل عنك. وهناك قصائد من دموع تغمر بيتك فى فلسطين. دخانًا وعسل».
وعبر محادثات هاتفية بين شوفانى وابنته هند التى كانت تسجلها دون علمه، يبدأ الشريط السينمائى متنقلا ما بين المؤرخ شوفانى نفسه وهو يحكى عن وطنه الضائع فلسطين، عن ذكرياته وتشرده ورفضه الإقامة فى أمريكا، عن الخلاف بينه وبين ياسر عرفات، عندما سأله عقب حرب أكتوبر: «إلى أى معسكر ستنحاز الثورة بعد الحرب؟ هل ستستمر فى نهج التحرير أم ستلتحق بركب التحريك؟» أغضب السؤال عرفات ولكنه شد من عزم إلياس على مقاومة سياسة رأى أنها مجرد عبث بالقضية الفلسطينية، يقول شوفانى: «لقد وضعتنى تلك الجلسة على سكة الخلاف والعداء لنهج عرفات، الأمر الذى انعكس حسما لقرارى بالبقاء فى بيروت، ولو فقط من أجل التصدى لهذا النهج المنحرف». مضحيا بمستقبل جامعى واعد وزوجته الأمريكية، كما ضحَّى بفرصة الحصول على جواز سفر أمريكى فعاش بدون جواز سفر، ثم عاد وتزوج مرة أخرى من الفتاة الفلسطينية ياسمين جورج خورى وأنجب منها ابنتين: هند ونور، ولكن القدر اختطف منه زوجته وهى فى ريعان شبابها عندما كانت تتلقى العلاج فى الأردن، ولم يستطع حضور مراسم الدفن لاستبقائه على الحدود الأردنية - السورية مدة طويلة. فكان الأب والأم لابنتيه حتى شَقَّت كل واحدة منهما طريقها بنجاح، رغم ضيق ذات اليد، إلى أن مات فى دمشق وحيدا، بعد أن مر ما يقرب من عامين لم ير فيهما وجها لابنتيه، منهما مخرجة العمل، وقد ذيلته بتلك الكلمات «مات جالسا على مقعده المفضل، ليس بوجهه سوى خيطين من الدم والبصاق» شهد عرض الفيلم زحاما ورواجا شديدا من الجمهور الذى امتلأت به قاعة مسرح الفلكى.
فى سياق متصل، شهدت الندوة التى أقيمت على هامش عرض فيلم «قهوة لكل الأمم» للمخرجة الفلسطينية وفاء جميل، تفاعلا كبيرا من حضور العرض، حيث أشارت «جميل» إلى أن الإنسان الفلسطينى يقاوم بمفرده كيانا مغتصبا. مؤكدة: «لم أضمن الفيلم مشاهد دموية عنيفة لتفسير المقاومة المسلحة ضد الغاصب الصهيونى فلست فى حاجة إلى تبرير المقاومة لأرضى الممولين» فى إشارة إلى خلو الفيلم من تناول الجانب الآخر فى القضية وهم الغاصب الصهيونى: «بعدما مات عابد رفض الإسرائيليون أن يدفن فى أرضه التى عاش من أجلها وكانت أمنيته الأخيرة أن يدفن فيها، بل ترك من ورائه عائلته وأولاده الثمانية فى رعاية زوجته، التى لا يقل نضالها عنه ضد المحتل، فهى وإن كانت لم تقف أمام الكاميرا لكنها كانت البطلة والوجه الآخر لتمسك عابد بأرضه.
هذا وقد كرم المهرجان المخرجة اللبنانية الراحلة نبيهة لطفى، والتى تعد من أوائل المؤسسين، حيث عرض لها الفيلم اللبنانى «تل الزعتر.. لأن الجذور لا تموت». الفيلم النادر الذى يعرض لأول مرة فى القاهرة ويعد واحدا من أهم أفلامها، قدمت فيه لطفى توثيقا نادرا للمآسى التى تعرضت لها المخيمات الفلسطينية فى لبنان فى السبعينات. وفى الندوة التى أعقبت عرض الفيلم تحدثت المخرجة، عرب لطفى، عن الصعوبات التى واجهت نبيهة لطفى أثناء تنفيذ العمل سواء فى تعطله وتوقف تصويره أكثر من مرة، نظرا للأحداث الدامية التى وقعت فى المخيم أو فريق التصوير الذى كان من الهواة، يتدرب على التصوير لأول مرة: «كان طاقم التصوير نفسه يتدرب على التصوير ولم يكن فريقا محترفا بل كانوا من الهواة، ومن بينهم الشهيد عمر مختار، وإدوارد القش، وسمير نمر، بجانب التصوير على أفلام ١٦و ٣٢ مللى وإعادة النسخ والطبع لكل مشهد». تابعت عرب: «انتقلت نبيهة لطفى وزملاؤها المصورون بعدها إلى (الدامور)، لتجمع شهادات من نساء وأطفال من الناجين من المجزرة التى راح آلاف الفلسطينيين ضحيتها، هناك من تحدثن عن ضحايا المحاولات المتكررة للحصول على المياه، وبينهن نساء كثر، ومنهن من تحدثن عن ضحايا استهداف ملجأ كان يضم ٥٠٠ عائلة، والقصص المأساوية التى رواها الأطفال الناجون وهم قلة، حيث سقطت عائلات بأكملها فى القصف المكثف على الملجأ الذى لم يكن يضم سوى مدنيين، وهناك من تحدثن عن المقاومة الباسلة، وعن الأسرى والمفقودين منهم، والشهداء بطبيعة الحال، على خلفية صور لجثامين النساء والأطفال والشيوخ والمقاتلين الفلسطينيين فى المخيم.
من جانبه، أشار الناقد عصام زكريا إلى أن نبيهة لطفى قدمت شهادة حية، استعانت فيها بمواد أرشيفية سجلها أرشيف السينما الفلسطينية، مؤكدا أهمية استعادة ذلك الأرشيف وترميمه وحفظه لحمايته من التلف، لقيمته كوثائق تاريخية بصرية. مضيفا: «قدمت نبيهة عملا فنيا مغايرا لنوعية السينما التسجيلية الوثائقية بلمسات أشعار أحمد فؤاد نجم وغناء الشيخ إمام، مما أضفى عليه طابعا أشد تأثيرا وقبولا لدى المتلقى، ورغبة فى معرفة المزيد عن تاريخ القضية الفلسطينية على عكس الكتب التاريخية مثلا، التى لا تلقى رواجا أو قبولا لجفاف مادتها على العكس من السينما».
وضمن نشاطات المهرجان الموازية، نظم معهد جوتة محاضرة للمخرجة الدنماركية آنيت أوليسن، حول كيفية تحويل القيود إلى فرص. حيث أشارت آنيت إلى أن حركة «الدوجما ٩٥» قد ثوّرت السينما الدنماركية طوال عقد كامل، لم تؤد الحركة على الفور لجذب انتباه مستحق للأفلام الدنماركية عمومًا على الساحة الدولية وحسب، وإنما غيرت أيضًا صناعة السينما الدنماركية من داخلها تغييرًا جذريًا. تابعت آنيت: «غيرت الحركة طريقة العمل فى السينما من النواحى المالية والجمالية وفى جانب الانضباط ومن حيث التعاون فى الإبداع بدلًا من أن يرى، صناع الأفلام أنفسهم كمخرجين على وجه الخصوص طغاة».
وكان من اللافت فى المهرجان الاحتفاء الكبير الدافئ الذى قوبل به فيلم «زبيدة» وهو إنتاج مشترك بين خمس دول: إيران، والدنمارك، وألمانيا، والنرويج، والسويد. يدور حول الفتاة الصغيرة زبيدة التى تكتب خطابات سرية إلى أينشتاين، وكيف غرس أستاذ الفيزياء بداخلها رغبة أن تصبح رائدة فضاء، وكيف تنمو رغبتها إلى أن تكون فتاة مراهقة لا تردعها نواهى أمها عن الخروج والسهر ليلا لرصد النجوم، واستكشاف أسرار الكون سويا مع أصدقائها من الفتيات والفتيان، مما يكذب الصور الجاهزة والمعلبة عن المجتمع الإيرانى، ووصفه بالانغلاق والتشدد، بينما هو فى الواقع الذى تعكسه الوثيقة السينمائية البصرية، أكثر انفتاحا وثقافة من مجتمعاتنا العربية. وحتى مع الحقد الذى تكنه لها بنات عائلتها، وسلوك كل الطرق الممكنة لإثنائها عن طموحها، للالتحاق بالجامعة مع ذلك، تصر زبيدة على السعى وراء حلمها. تخوض المعركة وتتواصل مع «أنوشة أنصارى» أول رائدة فضاء شرقية التى تتبناها لاستكمال دراستها، وأحلامها لبلوغ النجوم، حتى ولو كانت متزوجة، ولم تخضع لنصائح معلمها عن الانقطاع للعلم وحده.