الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الاحترام الياباني يلزمنا يا ريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرتني صور زيارة الرئيس السيسي في اليابان ، ان هناك مكانًا في العالم يملك كل هذا المخزون الحضاري من قيمة "الاحترام " ، لا أحد يرفع صوته ، لا أحد يتحدث مع آخر بدون القاب الاحترام ، التوقير من الصغير للكبير ، مشاهد اختفت من مجتمعنا المصري منذ زمن بعيد ، قليلا جدا ، وربما نادرا حينما تقابل احدًا يملك تلك الفضيلة ، والتي لا أعلم هل يمكن ان تعود او حتى يحاول الرئيس السيسي ان يوقع معهم اتفاقية لاستيراد تلك القيمة للمجتمع المصري على الطراز الياباني ..في الحقيقة الاحترام الياباني يلزمنا يا ريس.
وتقول موسوعة ويكبيديا إن ألفاظ الاحترام ليست جزءا من قواعد اللغة اليابانية، إلا أنها جزء هام من المفردات الاجتماعية ، وحينما لا يسبق الحديث مع أي شخص بلفظ "سان" وتعنى باليابانية "السيد " يبدو صاحب هذا التصرف في نظر المجتمع متعجرفا وبالتالي الاحترام في اليابان هو اختيار من المجتمع قبل ان يكون منحة من الحاكم .
ويقدر الشعب الياباني قيمة العمل القائمة على جماعية الاداء وروح الفريق والاهتمام المفرط بالمجموعة وليس بالأفراد، وتقديس العمل بالكفاءة، واتخاذ القرارات المبنية على المصلحة العامة ، لدى الياباني حس كبير بالانتماء المؤسسي والولاء، فهو جزء لا يتجزأ من منظومة المؤسسة التي يعمل فيها، والتي تؤمن له الوظيفة مدى الحياة حتى يبلغ مرحلة التقاعد، وخلال هذه الفترة الطويلة لا تخالجه أي رغبة في الرحيل عنها إلى مؤسسة أخرى، لأنه يعتبر ذلك خيانة عظمى .
لقد اهتم الكثير من المحللين الاقتصاديين بما حققته اليابان من نجاحات في ميادين عديدة، فعلى سبيل المثال هناك أكثر من 128 شركة يابانية من بين أكبر 500 شركة عملاقة على مستوى العالم، وتمتلك اليابان أكبر فائض تجاري في العالم بالتوازي مع الصين، ويرجع المحللون الاقتصاديون نجاح التجربة اليابانية إلى عدة عناصر منها الإدارة اليابانية الفذة في ميدان الأعمال وقيادة المجتمع الياباني من خلال عناصر ثلاثة وهي الإنسان الياباني المتفوق بحكم تعليمه وتأهيله، والإدارة الرشيدة، والثقافة الاجتماعية التي تقدس العمل.
وقد ظهر حرص الرئيس السيسي على ابراز احترامه للشعب الياباني وتجربته الفريدة على غرار ما عبر عنه في السابق تجاه الشعب الألماني ، وكلا الشعبين صنع تقدما وحضارة بالعمل الدائم والمستمر وبجودة المنتج والتطوير المستمر ، وسبب النجاح هو التربية والتعليم بشكل صحيح ، فالنهضة تصنعها الشعوب بالأساس حينما تصبح الرغبة المجتمعية هي النجاح والتقدم ، ولذلك اهتم الرئيس خلال زيارته المهمة بالتأكيد على رغبة مصر في الاستفادة من التجربة اليابانية في التعليم الفني بالأساس ، وأعرب عن أمله في إرسال 100 ألف مصري للدراسة في اليابان، للاستفادة من نظام التعليم الياباني وما يزرعه من التزام في نفس الطالب. ، فالعنصر الفني هو اساس الصناعة ، والصناعة هي عماد الاستثمار الجيد والتنمية المستدامة .
ولقد نجح الرئيس في اقناع شينزو آبي رئيس الوزراء اليابان بالمشاركة في مشاريع مصرية قيمتها حوالي تريليوني ين (17.7 مليار دولار) في الكهرباء وقطاعات أخرى.
من الصعب ان تقنع احدًا بالاستثمار دون ان تؤمن امواله ، ولذلك كان الرئيس حريصًا على اظهار مصر القوية والقادرة على حماية الاستثمار وفتح الافاق الواسعة امامه ، كما أقنعهم بسرعة التنفيذ ، فهو يعلم ان مصر والشعب المصري لا يملك رفاهية الانتظار ، واحسنت الخارجية المصرية قراءة المشهد الاقتصادي الياباني ، واتجاه حكومة آبي للاستثمار في البنية التحتية مثل شبكات السكك الحديدية وأنظمة توليد الكهرباء في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في إطار استراتيجيتها للنمو.
كما اتفق السيسي وآبى على عقد حوار بين مسئولي وزارتي الدفاع والخارجية بصورة دورية لتقوية العلاقات الأمنية ، وهنا تظهر الرؤية العسكرية والامنية المعتمدة على قدرات الجيش المصري ، وخبرته التي اكتسبها من حربه على الارهاب خلال الثلاث سنوات الاخيرة والتي يتابعها العالم كله وما يتوافر لدى مصر من معلومات تتعلق بالبنية التحتية للتنظيمات الارهابية التي تهدد اليابان التي فقدت مواطنين لها على يد تنظيم داعش والذى هدد اليابان بشكل صريح خلال اعدام الرهينة الياباني في يناير عام 2015 .
تضاف زيارة اليابان الناجحة الى عدد من الزيارات الخارجية التي نجحت مصر خلالها في تقديم نفسها بشكل جديد ، يدعم الاقتصاد الحر ، وينشد التعاون والانفتاح على العالم ، ويتمنى من العالم مساعدته حتى يحافظ على استقراره واستقرار الشرق الاوسط ، هناك من استوعب وجهة النظر المصرية ، وهناك من لا يرغب في ذلك ويدعم وجهات نظر لا تتناسب مع الحالة المصرية .
محور قناة السويس هو قاطرة التنمية في مصر ومحط اهتمام وتركيز العالم ولذلك وضعت الحكومة المصرية مزايا عديدة للاستثمار فيها ، وهو ما لقى ترحيبا من الجانب الياباني والكوري ، ووعود بالدراسة ، كما أبدى الجانب الياباني ترحيبه ببرنامج الحكومة الشامل للتنمية المستدامة حتى عام 2030 بالإضافة الى تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري وارتفاع تصنيف مصر الائتماني بشهادة تقارير المؤسسات الدولية، مما ساهم في تحويل مصر إلى دولة عمليات في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية .
واجه الرئيس الاخطاء بشجاعة مع الجانب اليابانى وأكد ان الحكومة تدرك الحكومة المصرية وجود بعض المعوقات المؤقتة التي واجهت الشركات الأجنبية في مصر مؤخرًا ومن بينها الشركات اليابانية ، وانه عازم خلال الفترة القادمة على ازالة تلك المعوقات .
كلام الرئيس وجد اثره لدى اكبر شركتين يابانيتين تعملان في مصر وهما تويوتا وميتسوبيشي واعلنت الاخيرة عن إنشاء محطة لتوليد الطاقة من الفحم، والذي يُعد من أبرز المشروعات المستقبلية للشركة في مصر، وتقدر تكلفته الاستثمارية بنحو 2.5 مليار دولار، بالإضافة لمشاركة الشركة في مشروع المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق الممول من قبل "الجايكا"، فضلًا عن اهتمامها بالمناقصة الخاصة بتطوير مطار برج العرب الدولي اما شركة تويوتا فستعمل على انشاء مشروع لطاقة الرياح في خليج السويس، ومشروع للتنقيب عن الغاز في المياه العميقة امام السواحل المصرية ، ومحطة كهرباء بنظام الدورة المركبة في الصعيد، إضافة إلى دراستهم المساهمة في عدد من المشروعات بمحور تنمية قناة السويس.
اجتهد الرئيس والحكومة ، ونجحوا في اليابان وكوريا الجنوبية ..يبقى عبء التنفيذ .. وهى المرحلة الأقوى والاخطر.