الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

قِمة.. بأي حال عدتِ يا قِمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصاعد التوترات العسكرية - ومؤخرا السياسية - يُنذر بأن نسائم الربيع القادم على المنطقة العربية ستكون عاصفة برياح الصراعات. 
الأمر الذى دفع مؤخرا إحدى الدول الرئيسية فى المنطقة - المملكة السعودية - إلى إعطاء حلول الضغط السياسى والاقتصادى الأولوية فى التعامل مع قضايا بلد مثل لبنان مقابل إبقاء الخيار العسكرى فى سوريا مفتوحًا واقتصار المواجهة العسكرية على حدودها الجنوبية مع اليمن فى إطار التصدى للمطامع الإيرانية التى أصبحت مطروحة علنا على الساحة العربية.
فى لبنان من المنتظر تصاعد تداعيات الأزمة التى فجرها القرار السعودى بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبنانى. قراءة هذا الضغط السياسى غير المسبوق فى العلاقات السعودية - اللبنانية تحمل إشارات حاسمة إلى كل الأطراف السياسية فى لبنان وتضعها أمام فرصة أخيرة من أجل توحيد مواقفها للعمل على استعادة لبنان، بعدما أدى التناحر على المصالح والمناصب إلى اختطاف السيادة اللبنانية لصالح ميليشيا مسلحة تابعة لإيران - حزب الله - حتى أصبح لبنان يُدار بقرارات صادرة عن ملالى طهران، والتى بادرت بدورها إلى الدخول فورا كطرف فى مواجهة مع القرار السعودى عبر تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية معلنا استعداد بلاده إرسال أسلحة إلى الجيش اللبنانى فور تلقيها طلبا رسميا فى هذا الشأن!. على صعيد الشارع اللبنانى من المؤكد أن دعوة السعودية ومجموعة دول خليجية رعاياها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر إليه ستضيف إلى نتائج القرار السعودى السياسية ضغط اقتصادى إذ من المعروف أن لبنان يمثل - تاريخيا - المقصد المفضل للاستثمارات والسياحة العربية، بالإضافة إلى حجم الجاليات اللبنانية التى تعمل فى هذه المنطقة. القرار السعودى إذًا هو بمثابة إلقاء الحجر الأخير فى المياه الراكدة للنخبة السياسية اللبنانية.
كل قراءات المأساة السورية أصبحت جزءًا من مشهد عبثى مجنون.. فما أن تلوح بوادر الهدنة حتى يعود التهديد بانفجار الأوضاع مرة أخرى.. اتجاه القرار الدولى نحو الحلول السياسية يبدو الأقرب إلى المنطق بعد عجز التدخلات العسكرية لدول الغرب عن إحراز أى انفراجة فى الأزمة. الملاحظ أن ما يرجح كفة الاستراتيجية الروسية ويجعلها الأقرب إلى القراءة السليمة للوضع السورى النشاط المكثف الذى بدأته الدبلوماسية الروسية بعدما أدى التدخل العسكرى دوره فى ضرب معاقل الإرهاب عبر اتصالات ولقاءات مكوكية بين الأطراف المعنية - السعودية وتركيا - أو المتواجدة على أرض سوريا عبر ميليشياتها - إيران - فى مقابل «الهوس» الذى انتاب الجانب التركى على صعيد علاقاته الخارجية وتمثل فى تصريحات «استعراضية» حول غلق قاعدة (إنجرليك) العسكرية أمام القوات الأمريكية أو وضع أمريكا أمام موقف اختيارى بين علاقتها مع تركيا أو الأحزاب التى تمثل مختلف القوى الكردية.
فى إطار كل هذه التحديات التى تضع وجود المنطقة العربية بين خيارى الانتحار أو التفتت إلى مناطق صراع ديني - طائفي جاء قرار المملكة المغربية المفاجئ بتقديم اعتذار عن عدم استضافة القمة العربية المقرر عقدها فى شهر إبريل المقبل. قد يتجه الفهم القاصر للموقف المغربى فى إطار أنه يحمل دلالة سلبية. لكن المغزى الأعمق فى بيان وزارة الخارجية المغربية أنه حمل إشارات مباشرة، وإن كانت صادمة للبعض إلا أنها تمثل رؤية واقعية للمشهد العربى.. من المؤكد أن طبيعة وتوقيت التحديات التى لم تعد تحتمل الانتظار لا تستدعى مجرد مناسبة تقليدية تجمع بين ملوك ورؤساء العرب.. يليها بيان ختامى «روتيني» يحمل توصيات هزيلة مقارنة بحجم التهديدات التى تدق على الأبواب العربية ومواقف لا ترقى إلى خطورة ملفات الأزمات المشتعلة فى المنطقة. 
المؤكد أن المغرب لم تنفرد بهذا القرار الذى أعلن بعد مشاورات مع دول عربية عديدة معبرًا عن حال الشارع العربى خصوصًا فى مناطق الصراع سواء العسكرى أو السياسى التى تنتظر مواقف حاسمة وصارمة تعكس رغبة جادة فى الخروج من أسوأ دوامة تمر بها ولن تجدى كل بلاغة البيانات الإنشائية فى الخروج منها. مقياس مكانة ودور الدول لا يتلخص فقط فى اتباع بنود البروتوكول الذى ينص عليه ميثاق جامعة الدول العربية.. سواء كان انعقاد القمة المقبلة فى دولة المقر - مصر - أو موريتانيا الدولة التى يلى دورها المغرب فى استضافة القمة وأعلنت رسميا عن رغبتها واستعدادها لعقد القمة المقبلة فى نواكشوط. مكانة القوى العربية الرئيسية - على رأسها مصر - أيضا تفرض رؤية سياسية ثاقبة عن صيغة التحرك الدبلوماسى الأكثر نجاحا فى تهدئة مناطق الصراع العربية. الأمر الذى يضع القرار العربى أمام التحدى الأصعب فى إطار مدة زمنية لا تتجاوز الشهر على موعد القمة المقبلة، وهو تحقيق الضمانات الجادة لعقد قمة حاسمة تسفر عن دور حقيقى يختتم به اجتماع ملوك ورؤساء العرب. فى إطار الواقع الحالى تزداد أهمية البديل المقابل فى ضرورة تكثيف الحراك الدبلوماسى عبر عقد قمم ثنائية أو ثلاثية بالإضافة إلى تنشيط الاتصالات العربية المشتركة - وهو دور أثبت نتائجه الإيجابية فى أزمات سابقة - بهدف التنسيق بين المواقف وتوحيد الرؤى حول قضايا أصبحت تهدد الأمن العربى، خصوصا أن القوى العالمية الكبرى مثل روسيا أو باقى الدول الغربية تميل إلى تفعيل هذه الصيغة فى نشاطها السياسى مما يمنحها المزيد من المرونة والسرعة فى التفاوض وفى ممارسة كل أشكال التواصل مع الدول الأخرى.