الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"بصلة ونعمل عجة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتابت حالة من السخرية قطاعًا كبيرًا ممن وقعت عيونهم على أخبار توصف بسهولة بأنها أخبار من النوع المسماة بالكوميديا السوداء، ومنها فاصل عن «معجزة البيضة» التى احتفى بها محافظ المنيا، تلك البيضة التي اكتشف أحد الأطباء البيطريين أن لفظ الجلالة مكتوب على قشرتها وعنها أقام المحافظ الاحتفالات القومية ودبج الخطب النارية، وكان منظر وضع البيضة فى علبة من القطيفة فى وسط بطانة من الستان اللميع مثارا لفكاهة هذا الشعب الذى يواجه نكباته بالسخرية وأطلقوا على البيضة فى صندوقها القطيفة «شبكة المحافظ»، كما نشروا على مواقع التواصل الاجتماعى «طماطماية» شكلت بذورها الداخلية الصليب وقالوا ساخرين «ينقصنا بصلة عليها نجمة داوود ونطبخ عجة ما حصلتش».
ومرت حادثة البيضة المسلمة والطماطماية المسيحية والبصلة اليهودية، وفى ذيلها مباشرة وقف نقيب الموسيقيين هانى شاكر موقف الصنديد المدافع عن الأخلاق القويمة ضد التفسخ والانحلال، أولا بإبلاغ الأمن لإلقاء القبض على الفرقة الشيطانية وأصحاب المحال التى يعزفون بها، ثم أصدر أوامره العنترية بمنع الحفل، وذكرنا حتى لا ننسى أن هؤلاء الموسيقيين هم «عبدة الشيطان» الذين سبق ومارسوا المجون وذبح القطط فى قصر البارون، رغم أن تحقيقات النيابة فى هذه القضية أثبتت أنه لم يحدث لا ذبح للقطط ولا عبادة للشيطان، إلا أن نقيب الموسيقيين أصر على موقفه حماية للأخلاق وحماية للمجتمع الذى لن نخاف عليه طالما هناك من يحميه من الانحراف، وبارك الله فى هانى شاكر.
وسبق موقعة هانى شاكر وعبدة الشيطان موقعة علمية معملية فذة بطلها وزير السياحة، وبمنتهى الثقة العلمية أعلن أن تعامد الشمس على قدس الأقداس فى المعابد الفرعونية يأتى بالصدفة «ويا محاسن الصدف»، فالصدفة التى تتكرر فى نفس الموعد منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام «هى بالفعل صدفة»، وأثبت خطأ مهندسى العالم وخبراء اليونسكو الذين أنقذوا معلما من المعالم الحضارية التى تخص البشرية كلها فى ما عرف بمعجزة نقل معبد أبوسمبل، وكان الحرص أن يحافظوا على موعدى شروق الشمس على قدس الأقداس الذى اختلف أربعة وعشرون ساعة فقط، ومنذ عام ١٩٦٤ أى بعد نقل المعبد، والشمس تشرق على قدس الأقداس فى ٢٢ فبراير و٢٢ أكتوبر من كل عام، الصدفة الأولى تتكرر منذ آلاف السنين والثانية تتكرر منذ عشرات السنين «يا لها من صدفة»!! كان يأتى لمشاهدتها خصيصا من كل بلاد العالم المفتونون بحضارتنا القديمة، وكانوا يصرخون من الدهشة ويسجدون أمام المعبد إجلالا لعظمة إنجاز أجدادنا العلمى، يأتون خصيصا- نكرر- لمشاهدة تعامد الشمس على وجه جدنا الأكبر رمسيس الثانى مرتين فى العام فى نفس الموعد، وعلق أحد أصحاب «البازارات» فى شارع المعز على تصريح الوزير قائلا: «ده عمل زى ما يكون جاى لبنتك عريس، وتقعد تقوله خد بالك دى وحشة، وخد بالك دى فاردة شعرها بالمكواة، وخد بالك حطة كوم أحمر وأبيض على وشها، خد بالك الحكاية كلها كذبة وانفد بجلدك ياعم».
وبينما السيد الوزير يصرح والسيد النقيب يبلغ والسيد المحافظ يحتفل كان على أرض مصر تلميذات وبدلا من أن يتوجهن لمقاعد الدرس لتلقى العلم فقد أضربن عن الدراسة فى ثورة دفاعا عن الدين الإسلامى وعن الهوية الإسلامية! هن طالبات فى مدرسة بنى مزار الثانوية الفنية، أضربن احتجاجا على تعيين مديرة مسيحية للمدرسة، هنا يستحيل مع هذا العبث أن نجد مجالا أو مساحة للسخرية، فهذه الواقعة لا تترك سوى الغم والهم والنكد فى النفوس والغضب والثورة أيضا، فما معنى أن تترك طالبات ولو لمدة ربع الساعة مضربات عن الدراسة محتميات بجهلهن أولا، وبمناخ عام أكثر جهلا وغباء منهن بل مناخ عام يبث نفس هذه السموم إن أردنا الدقة، هؤلاء وبالبلدى يحتجن «لقطم رقابهن» والتعامل معهن بمنتهى الحزم والحسم الذى قد يصل إلى الفصل النهائى، فهؤلاء مهما تعلمن لا فائدة ترجى منهن ولا بصيص من أمل قد يضىء عقولهن، هؤلاء ببساطة وبالبلدى أيضا خسارة فيهن التعليم.
وهكذا عشنا فاصلا من تداعيات الفوضى والارتباك الذهنى والثقافى والمعرفى فى بلادنا.. فاصل نتمنى ألا نواصل بعده حتى لا تتحول الحياة لمجرد «بصلة ونعمل عجة».