الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سقوط الخلافة "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق توقفنا عند مقتل الأمين بن هارون الرشيد على يد جيش أخيه المأمون ثم تعليق رأسه على باب حديقة ببغداد وسحل جسده فى الشوارع وسط هتافات الأطفال «هذا هو المخلوع» أو بالعامية المصرية «المخلوع أهو» لتنتقل الخلافة إلى أخيه المأمون بانقلاب دموى صريح، والمأمون لمن لا يعرف هو ابن الرشيد من جارية تدعى "مراجل" وقد ماتت أثناء ولادته وهو ليس ابن زبيدة الزوجة الأشهر لهارون والتى قال لها أنت طالق ما لم أدخل الجنة، وكان المأمون فصيحا مفوها يميل إلى التشيع لدرجة أنه قرر فجأة خلع شقيقه المؤتمن من ولاية العهد وتعيين على الرضا بن موسى الكاظم وليا للعهد وعلى الرضا هذا هو حفيد الإمام جعفر الصادق من نسل الحسين رضى الله عنه، وقد أغضب هذا القرار آل العباس فقرروا خلع المأمون وتعيين ابن عمه إبراهيم بن المهدى خليفة للمسلمين وبالفعل بويع إبراهيم بن المهدى من أهل بغداد والكوفة وكان آل العباس يقدمون مائة درهم هدية لكل من يبايع إبراهيم فتسابق العامة والفقراء على مبايعته لكن المأمون لم يصمت وقرر القتال فصارت فتنة جديدة بين المسلمين الذين تقاتلوا فيما بينهم حتى نجح المأمون فى الفتك بمن انشق عليه من الجيش وفر إبراهيم بن المهدى هاربا ولم يظهر مرة أخرى وانتهى خلاف المأمون مع عائلته بالموت المفاجئ لولى عهده، سبب المشكلة، على الرضا، ولكن المأمون لم يرضه استقرار الأمة فدخل فى معركة فكرية وفلسفية هى الأخطر فى تاريخ الخلافة الإسلامية حتى الآن، وذلك حين طلب لقاء علماء زمانه ليبلغهم بأنه اكتشف أن القرآن مخلوق، فلما رفض العلماء ذلك حبسهم وجلدهم وكان من بينهم الإمام أحمد بن حنبل الذى تمسك برأيه وهو أن القرآن هو كلام الله وليس مخلوقا لأن كل مخلوق يموت بينما المأمون كان يستدل على خلق القرآن بقول الله تعالى «إنا جعلناه قرآنا عربيا» وجعلناه تعنى خلقناه وهكذا ابتدع المأمون فتنة عظيمة وراح يكفر من لا يوافقه الرأى وكتب لنوابه على الأقاليم المختلفة رسالة طويلة يوضح فيها رأيه ومن ضمن ما جاء فيها عن العلماء الذين رفضوا ذلك «هم شر الأمة، المنقوصون من التوحيد، أوعية الجهالة، وأعلام الكذب ولسان ابليس الناطق» وعن الإمام أحمد بن حنبل قال المأمون بالحرف الواحد: «لقد استدل أمير المؤمنين على جهله» وأودع الإمام أحمد فى السجن وعذب كثيرا لكى يتراجع عما قاله لكنه أبى، ومرض المأمون مرضا اشتد عليه فجأة فجاء بكاتبه محمد بن داود وطلب منه أن يكتب وصيته وكان فيها أن الخليفة من بعده هو العباس بن المأمون لكن الكاتب أوهمه بأنه قد كتب هذا بينما كتب أن الخلافة للمعتصم، لأنه كان يرى أن العباس لم يزل صغيرا وغير قادر على أعمال الخلافة بينما المعتصم أقوى وأفضل ومات المأمون وبويع المعتصم وسط دهشة العباس وأمه لأنه كان يظن أن والده قد أوصى له، والمعتصم هو ابن الرشيد من جارية تدعى ماردة وهو بلا شك من أعظم الخلفاء لولا أنه استمر فى فتنة خلق القرآن وعذب العلماء وسجنهم وفى عهده ضرب الإمام أحمد، ولولا أيضا أنه قد صرف وقته لتوريث الحكم لابنه الواثق بالله برغم رفض الناس له وذلك لأنه ابن جارية رومية اسمها قراطيس كانت تميل لأهلها، ولكن المعتصم نجح فى خطته وبالفعل أصبح الواثق خليفة من بعده لتدخل الخلافة الإسلامية فى منعطف خطير تمثل فى سلسلة اغتيالات لا تنتهى للخلفاء، فعن من أتحدث؟ عن المتوكل الذى أراد أن يكون ابنه الأصغر «المعتز» وليا للعهد بدلا من ابنه الأكبر «المنتصر» فقرر الأخير قتل أبيه ليتولى الخلافة ثم يموت مسموما، أم عن المستعين بالله بن المعتصم الذى خلع نفسه مضطرا بعد هزيمته على يد ابن أخيه «المعتز بن المتوكل» الذى رفض مبايعته وخرج عليه ولما تنازل له لم يكتف بذلك بل ذبحه لتنتقل إليه الخلافة، أم عن المهتدى بالله الذى خرج على المعتز وقبض عليه وأجبره على التنازل له عن الخلافة ثم حبسه ومنع عنه الماء حتى مات عطشا لتستمر بحور الدماء بين المسلمين طمعا فى الخلافة التى تتمنى كل التيارات الأصولية عودتها مرة أخرى.. وللحديث بقية.