الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

موصل.. الانتصار السياسي مع الانتصار العسكري

الموصل
الموصل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين تصريحات صادرة عن جهات عسكرية في أمريكا حول تأخير عملية استعادة مدينة الموصل، العراقية، من قبضة تنظيم داعش، حتى شهر مايو المقبل.. وتسليم روسيا مؤخرًا للعراق صفقة تسليح متطورة استعدادا لمعركة التحرير.. ظهرت الأيام الماضية عدة «إشارات» سياسية مهمة ارتبطت بهذه العملية وتحديد المساحة الزمنية الباقية على البدء في تنفيذها. 
من المعروف أن معركة موصل الفاصلة تُعَد بمثابة تتويج للانتصارات العسكرية التي حققها الجيش العراقى بدعم من قوات التحالف الدولى، وتمثلت في استعادة سيطرة الجيش على عدة محافظات ومدن شكلت نقاط تمركز لداعش.. إذ تعتبر الموصل المعقل الرئيسى لهذا التنظيم في العراق.
أهم هذه «الإشارات» جاء في كلمة رئيس وزراء العراق، حيدر العبادى، أمام اجتماع ميونيخ للأمنو أشار خلالها إلى عزمه إجراء تغيير وزارى يعتمد على وزراء «تكنوقراط» بعيدًا عن اعتبارات الانتماء الطائفى أو نظام المحاصصة.. في بادرة إيجابية إكملها «العبادى» بانتقاده قوى غير منضبطة ضمن ميليشيا الحشد الشعبى أفرزت جماعات تتحرك خارج إطار الدولة، وأن هذا الوضع لا يمكن القبول أو السماح به مستنكرًا تغول ميليشيا الحشد الشعبى في المجتمع العراقى.. دعوة حظت بالتأييد من زعيم التيار الصدرى، مقتدى الصدر، الذي أكد ضرورة تسليم الحشد أسلحته إلى الدولة، وانخراط المجموعات التي لم تتورط في جرائم ممارسات طائفية ضمن الأجهزة الأمنية للدولة.. خصوصًا أن بعض عناصر هذا الحشد غير المنضبطة بلغ بها الأمر إلى عدم الامتثال لتعليمات رئيس الحكومة أو قادة الجيش.
على الصعيد الآخر، هذه التصريحات، إضافة إلى ما ذكرته مواقع إخبارية عن تسريح ٣٠ ألف عنصر من الحشد الشعبى، أثارت موجة هجوم شرسة ضد العبادى من جبهات تمثل صقور اليمين المتطرف والمقربة من إيران، على رأسها اتحاد التحالف الوطنى الشيعى وائتلاف دولة القانون، قد تصل إلى عرقلة منح العبادى التفويض الذي طلبه من البرلمان لإعادة هيكلة الحكومة.
كلمة العبادى حملت في مضمونها دعوة إلى الاستفادة من دروس المعارك الماضية لتحرير مدن العراق، وحرصًا على عدم اقتصار المعركة القادمة على قيمة الانتصار العسكري - كما حدث في المعارك السابقة - وأن أهمية تحقيق انتصار سياسي مواكب للانتصار العسكري سيحفظ للأخير مكاسبه، كما سيكون الضامن الوحيد أمام عدم تكرار ممارسات طائفية من قبل عناصر اندست ضمن الحشد الشعبى.. هذه الميليشيات خرجت عن إطارها الطبيعى والمسموح حتى كادت أن تصبح «قدس الأقداس» عند بعض التيارات المتطرفة في العراق، بينما واقع الأمر أن الحشد الشعبى يجب أن يُفهم فقط في إطار كونه حالة طارئة ومؤقتة في ظروف طارئة ومؤقتة تستدعى تكريس كل جهود الدولة أولًا نحو إعادة عناصر القوة - بمختلف أدواتها - إلى الجيش العراقى وعدم التفات العبادى إلى النوايا والضغوط الخطيرة التي تتبنى تحويل الحشد إلى بديل لمنظومة الأمن الوطنى.
مما لا شك فيه أن كلمة العبادى تحمل رسائل طمأنة تؤكد عدم التورط مستقبلًا في الأخطاء السياسية التي أحاطت معارك التحرير السابقة، حيث تكرر دخول الحشد الشعبى إلى المدن المحررة وتورط العناصر غير المنضبطة في جرائم طائفية، ما زاد الأمور تعقيدًا واستدعى عودة القوات الأمنية إلى التدخل للسيطرة على هذه الممارسات وهو ما يضع على هذه القوات الأمنية ضغوطًا هي قطعًا في غنى عنها وهى تخوض حربها ضد داعش.
دخول الدور الروسى استخباريا وعسكريا لدعم العراق في حربه، وظهور نتائجه الإيجابية على أرض المعركة، أحرجا الموقف الأمريكى ودفعاه إلى إبداء بعض الجدية بعد سنين من التراخى والمماطلة.. رغم أن قراءة الموقف الأمريكى تشير إلى ميل نحو «غض البصر» عن تكثيف الدور الروسى في العراق.. خلافا للتناحر الروسي - الأمريكى على أولوية المواقف في سوريا. سياسيا.. تدير روسيا تدخلها في المنطقة العربية - تحديدًا العراق - وفق دراسة أعمق لطبيعة لوحة «الموزاييك» التي يتشكل منها طوائف النسيج العراقى.. وهو ما دفع العبادى إلى الترحيب فورًا بتكثيف التعاون الاستخبارى العسكري بين روسيا والعراق. هذا الانفتاح على تنويع مصادر التعاون العسكري كما حدث مؤخرًا عبر عدة اتفاقيات عسكرية تمت بين العراق ومصر، سيُلقى بظلاله السياسية على الأوضاع داخل العراق.. إذ سيمنح العبادى مساحة حرية في التحرك نحو المزيد من الاستجابة إلى المطالب السياسية التي يرفعها الشارع العراقى أسبوعيا منذ بداية العام الماضى في تظاهراته ضد الفساد والتدخل الإقليمى في سيادة القرار العراقى عن طريق أحزاب وشخصيات مرفوضة من الشعب لكنها ما زالت تمارس نفوذها في إبقاء استقلالية العراق تحت تهديد المطامع الإيرانية.