الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللي تجيبه يا افندم!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نادينا كثيرا بعد ثورة يناير ٢٠١١ بهيكلة الشرطة، ولم يكن يسبنا غير الإخوان المجرمين وقتها، وكانوا قد استولوا على البرلمان بسطوة أجولة البطاطس وقتها، ولانزال ننادى بذلك، حتى بعد أن عاد النظام القديم عن بكرة أبيه إلى البرلمان الجديد، ولن نتوقف حتى تتم هذه الهيكلة، وأذكر أننى قلت هذا فى تسعينيات القرن الماضى، عبر ملف كامل ناقشت فيه مؤهلات وخلفيات أفراد الشرطة كلهم، بداية من الجندى حتى الضابط، ويومها قامت الدنيا ولم تقعد، حتى تمت مصادرة الجريدة، ولم يصدق المنتقدون الرافضون أن هذه المؤسسة ستكون السبب الرئيسى فى سقوط نظام حسنى مبارك، ولما تحقق ما حذرنا منه، فلم نجد أحدا يستفيق من غفوته لا فى نظام محمد مرسى ولا فى النظام الحالى، الذى تبدو قرارات وزير داخليته للاستهلاك غير الآدمى، حيث لا أحد يصدقها أو يعتد بها، حتى اليوم.
وليس أدل على ذلك من حكاية بسيطة حدثت معى قبل يومين فى أحد أقسام الشرطة، حيث كنت أحرر مذكرة فقد لبطاقة التموين.. الأمين تلقى الطلب بهدوء شديد جعلنى أستغرب، لكننى مع ذلك أحسست براحة، وبعد سداد الرسوم، كما وجهنى، عدت إليه للحصول على صورة من المذكرة، منتظرا سداد طابع الشرطة الذى وضعه أمامى على المذكرة، فقال لى: «باقى ثمن الطابع يا أستاذ»، فقلت كم؟ وهنا كانت المفاجأة إذ قال لى: «اللى تجيبه يا افندم!».. فتساءلت: أليس له سعر محدد؟ فرد غاضبا «قلت لك اللى تجيبه».. المهم أننى وضعت ٥ جنيهات أمامه، فأخذها وهو ينظر إلى شذرا، ويقول اختمها من عند محمود بك، بحثت عن هذا البك، ففوجئت أنه يقف خلفى تماما يستمع لقول الأمين دون أن ينطق، المهم ختم الرجل الصورة وانصرفت، وأنا أتساءل عن سبب وقوف الضباط فى صف أمناء الشرطة، فيما الإجابة شاخصة أمام كل شخص يمر بسيارته على كمين أو يدخل لقسم الشرطة ليستمع إلى جملة: «اللى تجيبه يا افندم».
فكلما حدثت مصيبة واستطاع المنكوب بها الوصول إلى أجهزة الإعلام، سواء الشعبى أو الرسمى، تجد المبررات جاهزة بتلفيق التهم أو النفى أو بالرد الأثير عند قيادات البلاد حاليا: «حالات فردية»، ولا يجب أن تكون انتقاصا من تضحيات رجال الشرطة أينما كانوا، يقولونها وكأننا ننكر هذه التضحيات، يقولونها معايرة، لنصمت عن تلك التجاوزات البشعة فى حق كل مواطن، لا يأمن منها العادى أو صاحب الحصانة، الصحفى الذى ينقل الخبر، أو المواطن مستخدم مواقع التواصل الاجتماعى، فما إن يكشفها أحدهم أو يقترب، تكون التهم سابقة التجهيز حليفته، دون أن يجد له ظهرا يتكئ عليه، ورغم أن تكرار مصطلح «الفردية» هذا يجعله عاما، ويخرجه من حيث المفرد إلى ميدان الجمع، إلا أن الجهل بقواعد اللغة يجعل الـ«مبرراتية» يحيدون عن تجاوزها بحثا عن الحلول، وهى كثيرة وتم طرحها مئات المرات، ومنها على سبيل المثال ما كنا نتهكم به على شرطة مبارك، حين كان الجميع يتسابق على تقليد أمريكا فى حياتها إلا فى شرطتها، ورغم أن فيها ما فيها من بلاوى، إلا أن النظام هناك لا يؤله من يرتدى الزى الشرطى، كما يحدث عندنا، فالقانون هو السيد، ومن يفسد ويضبط عندهم يعاقب بموجب القانون، فلا عدوان على المجرم إلا إذا شهر السلاح وأطلق منه تجاه المهاجمين من البوليس، فإذا قبض عليه لا يمكن لأى من كان الاعتداء عليه وإلا أخرجه أصغر محامٍ هناك، موجها الاتهام بسوء استخدام السلطة إلى الشرطى الذى ألقى القبض عليه.
«أمركنا» كل شىء إلا جهاز الأمن عندنا، وعندما طالبنا بتطبيق قواعد ونظام الالتحاق بالقوات المسلحة على الشرطة، وأن يكون هناك ضابط احتياط، وهناك مجند وضابط صف من حملة المؤهلات العليا والمتوسطة من خريجى كليات القانون، إلى آخر المشروع الذى وضع فى أدراج السلطة منذ عهد الإخوان حتى الآن.
نقاط سريعة تجعلنا نعيد الطلب مجددا، لمنع تأله رجل الشرطة ليهبط على الأرض ليعيش معنا فى ظل قانون حاكم للجميع، فتختفى عبارة «انت مش عارف بتكلم مين؟» إلى آخر العبارات المستفزة التى لا تشير إلا إلى شىء واحد، هو موت القانون بالسكتة القلبية، وبالتالى موت الدولة من جراء العبث بمقدرات شعبها الأهم، وهى الروح والهمة.