الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

في النمسا: المصريون حالة خاصة!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عديد من الجنسيات، وكثير من القوميات تتخذ دولة النمسا وطنًا ثانيًا لها، وذلك راجع لأسباب مختلفة، يأتي على رأسها العامل الاقتصادي، حيث إن النمسا، على الرغم من قلة مواردها الطبيعية، وأجوائها المتقلبة، وعدم تصنيفها ضمن الدول الصناعية الكبرى، إلا أنها استطاعت، بفضل إدارة جيدة، أن تضمن للمقيمين بها مستوى معيشة يعد من أفضل المستويات في العالم، فهي تعتبر من الدول الأوروبية ذات معدل دخل مرتفع للفرد حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للشخص الواحد35.710 يور، وهذا يجعلها واحدة من أعلى مستويات المعيشة في العالم، وتحتل موقعًا من بين أغنى 15  دولة في العالم.
إضافة للاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تتمتع به دولة النمسا، وإيمان شعبها بالتعايش، خاصة فيما قبل موجة الهجرة غير الشرعية الأخيرة التي اجتاحت أوروبا عمومًا والنمسا في القلب منها، ذلك الذي ينعكس على المهاجر في حياته اليومية، حيث لا يعاني فيها من العنصرية المنتشرة في بعض البلدان الأوروبية الأخرى.
هناك في النمسا، حسب إحصاءات غير رسمية، ما يتراوح بين 25 و30 ألف مصري، يمثلون بالتقريب 6 آلاف أسرة، حيث إن وجود المصري كفرد هنا يعد نادرا للغاية، وذلك راجع لأن هذه الدولة، مع دول أوروبية أخرى، قد أغلقت باب الهجرة منذ عقدين من الزمن أو يزيد، كان لاتحاد الدول الأوربية دور فيه، ذلك يعني أن الغالبية الساحقة من المصريين قد قطنت النمسا قبل 20 عامًا، بما يعني أنهم قد كونوا أسرا، نتج عنها أبناء، يتلقون جميعهم التعليم في المدارس والجامعات النمساوية، بحكم المنشأ، وبحكم الإقامة.
وهناك ظاهرة خاصة يتفرد بها المصريون في هذا البلد، طبعًا بمقارنتهم بغيرهم من الجنسيات الأخرى التي حلت هي الأخرى على النمسا واتخذتها موطنا لها، هذه الظاهرة تخص التعليم.
ولعله من المناسب هنا أن أنفي نفيا قاطعا ما يردد، أو على الأقل ما كان يردد منذ ما يزيد عن 20 عاما، قبل أن أغادر مصر، أن التعليم الأوربي لا يرهق كاهل التلاميذ بواجبات كثيرة، فهذا غير حقيقي، حيث إن التعليم هنا مسئولية كبيرة، وهو عملية شاقة للغاية، تقوم عليها المدرسة والتلاميذ والأسرة، ذلك الثالوث الذي يكمل بعضه بعضا، في تناغم فائق للحصول على منتج تعليمي مؤهل لسوق العمل تأهيلا رائعا.
لا يوجد في النمسا أميون فنسبتهم هنا صفر، وهذا راجع إلى أن هناك 9 سنوات دراسية إلزامية لا يمكن لمن يعيش على أرض هذا البلد أن يتهرب أو يتسرب منها، وهذه السنوات التسعة بالقطع كفيلة أن يكتسب فيها التلميذ العديد من المعلومات العامة، إضافة، بالبداهة، لمعرفة أصول الكتابة والقراءة بشكل جيد.
بعد هذه السنوات التسع يكون للتلميذ، بالتنسيق مع أسرته، كامل الحرية في الطريق التي يكمل بها مسيرته التعليمية، أو يخرج لسوق العمل، من خلال اكتساب مهارات مهنية لذلك المجال الذي يرغب العمل فيه، ذلك الذي لا تجده مرحبا به مطلقا، عند الأسر المصرية، التي تسعى بكل ما أوتت من قوة لغرس فكرة التعليم الجامعي في نفوس أبنائهم، والعمل بكل قوة على أن يسلك الابن الطريق التي يكون فيها التعليم الجامعي متاحا، حتى ولو اختار الابن العمل قبل الوصول إليها، فإن أبوابه تظل مفتوحة دوما، في حالة فريدة بين الجنسيات الأخرى التي تجد غالبيتهم العظمى تتجه إلى المهن الحرفية، والتي لا تجد فيها كثيرا مصريين، أعني من الأجيال الجديدة التي ولدت ونشأت وتعلمت هنا.
وعلى الرغم من إيماني بأهمية تلك المهن الحرفية، إلا أنني أثمن كثيرًا تلك الرؤية التي تعمل عليها الأسر المصرية هنا، حيث إن هذه الرؤية تعكس، فيما تعكس، إيمان المصري بأهمية التعليم الجامعي، الذي يؤدي للوصول إلى مراحل تعليمية متميزة، يتبوأ من خلالها مراكز مرموقة، كما يفتح المجال للبحث العلمي، ذلك الذي يمكن أن يعود على الفرد أولا ثم على مجتمعه الحالي "النمسا"، وعلى وطننا مصر بفوائد كثيرة.