الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يا أهلا بالمجاري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوما ما قال الرئيس الأمريكى جونسون سوف أجعل عبدالناصر يشرب من مياه المجارى، كان كلام جونسون ردا على تصريح عبدالناصر الشهير «إذا لم تعجب أمريكا سياسة مصر، يمكن لها أن تشرب من البحر».
رحل ناصر دون أن يشرب قطرة واحدة من مياه المجارى، ولكن بعد حوالى نصف قرن على نبوءة جونسون يدخل الشعب المصرى كله مرحلة الشرب من مياه المجارى.
البشرى زفها إلينا السيد وزير الإسكان بعد موافقة مجلس الوزراء ودعم رئيس الدولة. واستمع رئيس الدولة إلى وزير الإسكان، «عصام مدبولى»، أثناء شرح مشروع معالجة مياه المجارى والصرف الصحى من أجل إعادة استخدامها فى كل الأغراض وفقًا للمعايير العالمية عبر تقنية «المعالجة الثلاثية»، وهو المشروع الذى بدأ بالفعل فى مدينة ٦ أكتوبر، وأضاف «مدبولى» أنه تم توجيه مياه الصرف المعالجة فى المشروعات الزراعية وأعمال الرى.
ورغم عدم إعلان وزير الإسكان أن هذه المياه صالحة للشرب، أكد رئيس الدولة أن مياه المجارى صالحة للشرب بعد المعالجة الثلاثية وليس الزراعة فقط، مشيرًا إلى أن مصر تحولت من استخدام تقنية المعالجة الثنائية إلى الثلاثية حتى تصبح صالحة لكل الاستخدامات، وشدد على أنه وفقًا للمعايير العالمية، فإن مياه المجارى المعالجة تصبح صالحة للشرب، مشيرًا إلى أن الأزمة الآن تكمن فى ضرورة معالجة مليار متر مكعب من مياه الصرف على الأقل فى العام.
كلمة السر وراء قرار الحكومة هى «سد النهضة الإثيوبى» وما يترتب عليه من نقص فى حصة مصر من مياه النيل.
واختارت الحكومة الحل فى معالجة مياه المجارى، رغم مافى ذلك من تكلفة مالية باهظة ومخاطر صحية ونفسية أكثر.
المؤيدون لقرار الحكومة يقولون إن هناك دولا عديدة فى العالم تزرع وتشرب مياه المجارى بعد المعالجة، حيث يؤكد الدكتور «علاء الظواهرى»، أستاذ الرى والهيدروليكا بهندسة القاهرة لجريدة «الوفد» أن معظم دول العالم تتم بها معالجة مياه الصرف الصحى، وهناك تجارب عديدة ناجحة فى هذا المجال.. فمثلًا فى ماليزيا يتم زراعة ٢٠ ألف فدان بمياه الصرف الصحى المعالج، وكذلك الصين تستخدم تلك المياه فى رى ٣٣٠ ألف هكتار، والمغرب لديها ٩٤ محطة معالجة وتستخدم فى رى ١٩٠٠ فدان، والأردن أيضًا لدينا ٢١ محطة معالجة تستخدم ١٠٠٪ من مياه الصرف الصحى بها، وعمان التى تروى ٢٠ ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحى يومياً، ثم يتم ضخها فى الخزانات الجوفية، وهذا المشروع الفريد بطول ٥٠ كيلو مترا تقريبا، مع ملاحظة أن الارقام المذكورة لا تقترب من حلم المليار المصرى من قريب أو بعيد.
وتنشر مجلة لغة العصر (الأهرام) موضوعا صحفيا مارس ٢٠١٥ تعلن فيه أن هيئة الصرف الصحى فى السويد احتفلت بنجاح «المشروع الثلاثى» بإنتاج أنقى مياه للشرب فى العالم من المجارى! وتوليد كميات ضخمة من الكهرباء من حركة المجارى ومياه الصرف الصحى فى المواسير.
اما المعارضون فلهم رأى آخر حيث يؤكد الدكتور «صبرى عبدالمنعم»، وكيل وزارة البيئة السابق، أن هناك العديد من العقبات تحول دون تنفيذ هذا المشروع منها أن الصرف الصحى فى مصر مختلط؛ حيث إنه صرف زراعى وصناعى ومنازل، وهناك صعوبة فى تحلية هذه المياه التى يختلط فيها الصرف العضوى مع صرف الزراعة التى تحتوى على المبيدات وصرف المصانع الذى من الممكن أن يكون سامًا.
وتابع «صبرى» فى تصريحه: هناك عوامل أخرى كثيرة لتوفير المياه دون أن يشرب المصريون من مياه الصرف، وأهم هذه العوامل هو توفير المياه التى تهدرها الشركة القابضة للمياه التى تتخطى ٣٥٪ من المياه، وترشيد استهلاك المياه فى الزراعة التى تستخدم كميات كبيرة جدًا من المياه، أما الدكتور «محمود محمد عمرو»، أستاذ الأمراض المهنية بكلية الطب ومؤسس المركز القومى للسموم الإكلينيكية، فيؤكد أن فكرة تحلية مياه الصرف ليست البديل الآمن لحل مشكلة ندرة المياه، فهذا المشروع صعب التنفيذ أو التعميم، نظرًا لتكلفته التقنية المرتفعة، بواسطة الأغشية البيولوجية عبر التكنولوجيا الحديثة، وكوارثه الصحية والبيئية المتوقعة، لذلك فهو مرفوض.
ويحذر الدكتور «عمرو» من استخدام مياه الصرف الصحى المعالج فى الزراعة، نظرًا لخطورتها على صحة الإنسان، كما أنها تمثل استنزافًا للثروات الطبيعية.
المعروف أن مصر هى الدولة الاولى عالميا فى Bمراض الكبد والسرطان والفشل الكلوى.
وفى جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، يكشف الدكتور «على مؤنس»، الأستاذ الجامعى، عضو الجمعية الأمريكية للكبد والجمعية الأمريكية للجهاز الهضمى والجمعيتين المصريتين للكبد وللجهاز الهضمى. عن احتلال مصر المرتبة الأولى فى قائمة مرضى الفيروس الكبدى «سى» على مستوى العالم وكذلك العالم العربى بنسبة تبلغ ١٤ فى المائة من جملة المصريين، بينما تتحدث تقارير أخرى عن وصول النسبة إلى ٢٠ فى المائة، ونفس الحال بالنسبة إلى الفشل الكلوى.
ونأتى إلى التكلفة المالية، حيث يؤكد المهندس «خالد مرسى»، مستشار رئيس الشركة القابضة لقطاع تحلية المياه أن تكلفة إنشاء المحطة تكون طبقًا للمتر وأن تكلفة المتر تصل لـ١٢٠٠ جنيه. وأضاف مرسى، فى تصريحات لـ«اليوم السابع»، أن النظام السابق كان يفرض على رجال الأعمال الذين يقومون بإنشاء قرى سياحية إنشاء محطة تحلية مياه، ولكن بعد الثورة تم إلغاؤه!!
كلام سيادة المستشار يعنى أن حلم معالجة مليار متر مكعب من مياه المجارى تبلغ تكلفته ١٢٠٠ مليار جنيه وهو ما يفوق الميزانية العامة للدولة، والتى تعانى عجزا مزمنا وصل فى موازنة ٢٠١٥ ٢٠١٦ إلى ٢٨١ مليار جنيه.
حديث المجارى وسط المؤيدين والمعارضين ضاع منه بديل آخر، هو وقف نزيف الهدر للمياه، وإذا كان البعض يتحدث عن ٣٥ فى المائة فإن الارقام تقول وفقا للدكتور «عباس أبوضيف» خبير المياه إن أخطر ما يهدد مصر هو إهدار المياه خاصة فيما يتعلق بالرى بالغمر بطريقة خاطئة ساعد على استخدامها أن الفلاح لا يدرك أهمية المورد المائى فهو يتعامل بما يفيد أرضه فقط، بجانب إهدار ٨ مليارات متر مكعب سنويًا من توصيل المياه من أسوان للحقول بسبب شبكات الصرف فى بعض الأماكن وزيادة نسبة الملوحة فى أماكن أخرى.
هدر آخر تؤكده تقارير أخرى أن كمية المياه التى تهدر فى نادى جولف واحد لمدة أيام ثلاثة تكفى لرى مائة فدان - والكلام أعلنه المفكر الراحل الدكتور «عبدالوهاب المسيرى» استنادًا لدراسة خاصة أعدتها أستاذة فى كلية السياحة والفنادق.
ويشير المسيرى إلى أن ما يرتكب فى حق المصريين جريمة كبيرة.. ببناء ملاعب الجولف ومدها بالمياه، بينما يحاصر العطش ملايين الفقراء. وتتجاوز تكلفة نادى الجولف الواحد ما يزيد على خمسين مليون جنيه، وتصل أحيانًا لثلاثة أضعاف ذلك المبلغ، وتنتشر النوادى فى القطامية وبعض مناطق القاهرة الجديدة والساحل الشمالى وشرم الشيخ. وفى تعليق لها على هذه الظاهرة قالت الدكتورة «محيا زيتون» أستاذ الاقتصاد بتجارة الأزهر بنات إن هناك ضغطا شديدا على الموارد بسبب بعض السياسات ومنها سياحة الجولف «سياحة الأغنياء» المستهلكة للمياه، وهناك جمعيات عالمية تناهض هذا النوع من السياحة.. منظمة السياحة العالمية وجدت أن هذه السياحة فى بعض الدول مهدرة للموارد وتحذر منها، مصر إحدى هذه الدول ولكن مع الأسف هناك توسعات فى مثل هذه الأنشطة، ولابد أن نعرف أن استهلاك الفرد فى ملاعب الجولف يصل إلى (١٠) أمثال استهلاك المواطن العادى من المياه.
والآن وقبل أن نشرب مياه المجارى، ألا تحتاج القضية إلى مناقشتها فى مؤتمر علمى حقيقى بعيدا عن الطبالين والزمارين، وكل المشتاقين.