الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بصفته صاحب "مطرح"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وهكذا وضد العقل والمنطق، انطلقت تلك الحملة الساذجة فى إحدى زواياها وفى زاويتها الأهم غير البريئة المسماة بحملة «أخلاقنا». ورغم ما أحاط بهذه الحملة من علامات استفهام مشحونة بالريبة، ومصحوبة بالتحذير من فتح الأبواب مرة أخرى للإخوانى عمرو خالد فقد انطلقت حملته تحت رعاية الدولة ممثلة فى وزير الشباب ومفتى الديار المصرية السابق، ورغم أنه سابق إلا أنه سيظل ذا حيثية ترتبط بدوائر الحكم.
انطلقت الحملة، وصرح بطل العرض الأوحد عمرو خالد أنه باق فيها.وفى إطار التسويق لنفسه وهو يجيد حرفة التسويق أعلن خطته لتلك الحملة قائلا: «إن الحملة تتكون من جزأين الأول يعتمد على الدعاية الإعلامية ونشر أفكارها» والجزء الثانى كما أعلن الداعية «الكاجوال» يرتكز على «التواجد فى الشوارع لتوعية الناس وبث القيم بداخلهم».
وهكذا ورغم كل ما قيل حول هذه الحملة فقد تعامل معنا الإخوانى عمرو خالد ومع الشارع بصفته صاحب «مطرح»، والمطرح هنا تعنى عند الفلاحين والصعايدة أنه صاحب مكان، وصاحب قرار، وصاحب كلمة، مدركا بثقة شديدة أنه يمتلك كل ما سبق ذكره فهو يخطط بدقة لموضع أقدامه على الأرض التى سوف يتسلل منها إلى عقول الشباب فى الشوارع! أى أنه وبرعاية رسمية يسعى لامتلاك ناصية الشارع، وناصية الشارع تختلف عن نواصى أندية الطبقة العليا وفيلاتهم وقصورهم التى انطلق منها إلى مقاعد الفضائيات أمام الكاميرات.
وبعد حملة الرفض التى صاحبت وواجهت حملة عمرو خالد، هدأت الحملة الأولى وتوقفت المواجهة، والكارثى أن الحملة الثانية المفتعلة المسماة بحملة أخلاقنا قد بدأت خطواتها فى الشارع وبدأ بالفعل انضمام شباب لها، وهو كما سبق أن ذكرنا الغزو الفكرى الجديد للإخوانى عمرو خالد الذى نجح كما هو معلوم للكافة وللدولة على وجه الخصوص فى غزو طبقة الأثرياء وفعل فيها ما فعله من عمليات التجنيد المباشرة والواضحة إن لم يكن بالانضمام الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين، فإنه قد نجح فى صفهم خلف أفكاره على أرض التطرف التى فى النهاية تصب فى مستنقعات الإخوان والسلفيين وصولا إلى داعش.
الكارثة أن الدولة ممثلة فى عدد من الرموز تعتقد أننا نحن الشعب المصرى نحتاج إلى هذه الحملة. أى وببساطة أننا شعب «عايز يتربى» وفى هذه النظرة إضافة إلى التجاوز غير المقبول فإنها تعبير عن استسهال وإراحة للضمائر، دونما بذل أى جهد فى معرفة الأسباب التى أدت لما يمكن أن نسمه تغييرات جذرية فى أخلاق المصريين.
وقد استكانوا إلى الراحة تجنبا «لوجع الدماغ» بتصديق أنفسهم أن أخلاقنا ستنضبط ونعود بشرا مهذبين لمجرد إطلاق هذه الحملة، بينما الحقيقة وهى ما يهرب من مواجهتها واضعو سياسات الحكم فى مصر أن الأخلاق يا سادة مرتبطة تماما بوضع المواطنين اقتصاديا، ولكل مرحلة إفرازاتها الأخلاقية. فمع الجوع لا تنتظروا رقيا أخلاقيا. إن تردى الأخلاق إفراز لانهيار التعليم، فماذا نطلب من مريض لا يجد ثمن علاجه، وطفل فى مرحلة التعليم لا يجد مكانا فى مدرسة فيها تعليم جيد، ويرتبط باستنزاف العمر والقدرة على العمل فى دائرة البطالة المغلقة فهذا الوضع لن يفرز إلا ما سماه علماء الاجتماع أخلاق الأزمة. أزمة تحيل الحياة إلى عبء وورطة وميدان للصراع والتقاتل لانتزاع لقمة العيش، أى انتزاع الإحساس بالآدمية.
الأخلاق يا سادة تعنى أن يشبع الجوعى، ويعالج المرضى، ويتعلم الأطفال، ويعمل القادر وأن يكون للجميع حق فى ثروات بلادهم. الأخلاق أن يجد المواطن مسكنا محترما يسكن إليه، وألا يروع ويفقد إحساسه بالأمان لمجرد رؤيته ظلال بدلة رسمية. وإن تحقق كل هذا ساعتها سنتوقف عن طرح السؤال الساذج الصارخ بالدهشة: ماذا حدث للمصريين؟ كلما جاءت سيرة الانهيار الأخلاقى والقيمى، فما حدث للمصريين هو إفراز ما حدث لمصر منذ عقود. وإن تحقق كل ما سبق من أعمدة لبناء مجتمع عادل ساعتها سيحمى القانون الأخلاق، وساعتها لن تتلكأ الدولة وتختفى بالفشل خلف دعوة أمثال عمرو خالد وغيره من مطلقى الدعوات الفارغة بكل معنى الكلمة.