منذ بضعة أيام صدر تصريح وتغريدة على تويتر لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء عن استحداث وزارتين للسعادة والتسامح، وأثار هذا التصريح حالة من الإعجاب والاندهاش عند جمهور السوشيال ميديا في العالم العربى.
وبدأ شباب البلاد الأخرى في العالم العربى، يقارنون بين حال بلادهم والإمارات، خصوصًا أن سمو الشيخ أطلق تغريدة أخرى نصها: «أطلب من جامعاتنا في الدولة ترشيح ٣ شباب و٣ شابات من كل جامعة.. ممن تخرج في آخر عامين أو ممن هم في سنواتهم الأخيرة لنختار منهم وزيرًا».
السعادة والشباب يدلان على الحيوية والنشاط والطاقة. لكن هذه الكلمات أثارت اندهاش شباب العالم العربى، لأن العرف في بقية البلاد هو أنه يجب أن تتعدى الخمسين من العمر، لكى تصل إلى منصب وزير. أما السعادة والتسامح فأصبحتا كلمتين غريبتين على المجتمع.
هذه الحالة يجب أن يتم تحليلها نفسيًا واجتماعيًا، فلماذا أصبحت التعاسة والكآبة والحقد والعجز هي الأصل والسعادة والشباب والتسامح مصطلحات غريبة؟
نظريات كثيرة ممكن أن نحلل بها هذه الحالة، منها نظرية تسلسل ماسلو الهرمى للاحتياجات، وهى نظرية نفسية وضعها العالم أبراهام ماسلو، وتناقش هذه النظرية ترتيب حاجات الإنسان؛ وتتلخص هذه النظرية في الخطوات التالية:
يشعر الإنسان باحتياج لأشياء معينة، وهذا الاحتياج يؤثر على سلوكه، فالحاجات غير المشبعة تسبب توترًا لدى الفرد، فيسعى للبحث عن إشباع هذه الاحتياجات.
تتدرج الاحتياجات في هرم يبدأ بالاحتياجات الأساسية اللازمة لبقاء الفرد، ثم تتدرج في سلم يعكس مدى أهمية الاحتياجات.
الحاجات غير المشبعة لمدد طويلة، قد تؤدى إلى إحباط وتوتر حاد قد يسبب آلامًا نفسية، ويؤدى ذلك إلى العديد من الحيل الدفاعية التي تمثل ردود أفعال يحاول الفرد من خلالها أن يحمى نفسه من هذا الإحباط.
لو طبقنا هذه النظرية، فسوف نجد بلادًا عربية يصل فيها متوسط دخل الفرد إلى ٢٧٤٨ دولارًا سنويًا مقابل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى للإمارات ٥٤٦٠٦ دولارات سنويًا، طبقًا لأحدث تقرير للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين التابعة للجامعة العربية. التفاوت بين الدخول بالطبع يؤثر على مستوى معيشة الفرد واحتياجاته الأساسية من مأكل وملبس ومشرب، بجانب أن بعض الدولة تصل فيها نسبة البطالة إلى أكثر من ١٣٪ طبقًا لإحصائيات البنك الدولى.
فهل المشكلة اقتصادية وسياسية فقط، ومشكلة دخل مادى أم أنها ثقافة وتدين صحيح؟
البعض سوف يقول إنها اقتصادية وإن المال هو من يصنع السعادة، لكن المال ليس كافيًا ونسبة الانتحار مرتفعة في الدول العالم الأكثر دخولًا مثل الدانمارك والسويد وفنلندا طبقًا لإحصائيات منظمة العالمية.
نأتى لتعريف السعادة في مراجع الطب النفسية وعلم النفس الحديثة والنفسية الإيجابية، نأتى للسؤال الأكثر أهمية هو كيف تصبح سعيدًا وبداخلك طاقة إيجابية وأمل وقدرة على الاستمتاع بالحياة؟
بعض الكتب والمراجع وعلماء النفس والدين، يعطون نصائح لكى تصبح سعيدًا، سوف نذكر بعضها.
في مقدمة لكتاب علم النفس الإيجابى، يصف وليام كومبتون علم النفس الإيجابى عن السعى لجعل حياة الإنسان العادية أكثر متعة.
ويعطى الكتاب عشر نصائح سوف نذكرها باختصار، منها أن تستمتع بمالك، فالسعادة ليست ثروة وحسابًا في البنك، إنما السعادة هو أن تستمتع بما تملكه من مال، فوجبة ساخنة شهية أو شراء ملابس جديدة أو كتاب جديد ممكن أن يشعرك بالسعادة.
العرفان بالجميل لمن لهم فضل عليك، من علموك، من ربوك، من ساعدوك في بداية حياتك العملية. كلمة شكرًا كافية لكى تجعل من حولك يشعرون بالسعادة وتعطيك طاقة إيجابية.
الثقة في النفس والعطف على من هم أصغر منك وإعطاؤهم علمك وخبرتك، تجعلك أكثر سعادة، وتساهم في زيادة إفراز هرمون الأوكسيتوسين. كما ذكرت جامعة كليرمونت للدراسات العليا، عام ٢٠١١. وبناء على نتائج البحوث، يعتقد علماء النفس أن الثقة والتعاطف، وزيادة الأخلاق الإنسانية تساهم في زيادة هذا الهرمون، وهو هرمون الحب الذي يساعدك أن تكون أكثر هدوءًا.
الابتسامة وتذكر ذكريات مفرحة تجعلك أكثر إيجابية وطاقة.
الجلوس مع ناس أصحاب مزاج لطيف، ولديهم القدرة على إضحاك من حولهم وإضافة بهجة، وتصبح السعادة عدوى تنقل من الآخرين لك، فحاول أن تبحث عن هؤلاء المبهجين.
التعامل بلطف مع كل الناس، ومحاولة مساعدتهم، وتقديم خدمات لهم وقضاء مصالحهم يجعلك أكثر إيجابية.
الاشتراك في حملات التوعية بالأمراض المزمنة، وخدمات المجتمع المدنى وحملات حماية البيئة، والجلوس مع المسنين وزيارة دور الأيتام والمصحات النفسية أمور تجعلك أكثر سعادة وإيجابية.
ممارسة الرياضة مثل المشى أو السباحة أو رفع الأثقال بصورة منتظمة تجعلك أكثر سعادة، ذكر ذلك في بحث في جامعة بريستول ٢٠٠٨.
التبرع في أعمال الخير يجعلك أكثر إيجابية وسعادة.
القرآن الكريم ربط بين السعادة والرضا، فالأساس في السعادة هو الرضا، وما علاقة الرضا بالسعادة؟ لا أكون مبالغًا إن قلت إن أصل السعادة الرضا، بل هي أعلى درجات السعادة، أن ترضى بما حققت وبما أوتيت وبما ابتليت به، لذلك حينما تحدث الله عن نعمه على رسوله صلى الله عليه وسلم في سورة الضحى قال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى:٥]، ولم يقل فتسعد.
وزارة السعادة وزارة التسامح، ليست رفاهية، إنما هي أساس التقدم والرقى، والاستمرار في الازدهار وقد أيقن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أحد أهم وأنجح القيادات على مستوى العالم العربى أن السعادة أساس، فقرر إنشاء هذه الوزارة.
وفى مصر أيضًا يدرك الرئيس السيسى هذا الموضوع، ونراه يركز على بث الأمل والحب والتسامح في كل لقاءاته وخطاباته، وقد عين مستشارًا لرئيس الجمهورية للصحة النفسية، وهو أستاذنا الدكتور أحمد عكاشة رائد الطب النفسى في مصر، والهدف من هذا هو جعل المواطن المصرى في صحة نفسية أفضل، ويشعر بطاقة إيجابية لكى ينتج ويعمل أكثر.
