الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زمن الإنترنت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال شعبان عبد الرحيم في إحدى أغانيه: (راحت يا ناس خلاص عَ السِّتْ .. دلوقت زمن الإنترنت)! .. أي انتهى يا ناس عصر أم كلثوم في ظل ظهور شبكة العنكبوت!
لاحظت منذ سنوات مضت أن الشباب في معظم الدول العربية صار لا يقرأ الصحف اليومية والكتب الورقية .. إلا وياللعجب فيما ندر!
سألت بعض الشباب العربي عن سر ملاحظتي .. فقيل لي: أتريدنا في زمن الصحف والكتب الإلكترونية أن نقرأ بطريقة الماضي الفرعونية! .. أتريدنا في الألفية الحالية أن نرجع القهقرى إلى الألفيات الماضية .. مثلما كان لكل عصر علم فإن لكل عصر طريقة لتسجيل وأخرى لتحصيل ذلك العلم.
معهم حق .. فوزارة التربية والتعليم المصرية تدرس مسألة عدم تسليم الكتب المدرسية في مدارسها التجريبية على أن يتسلم الطالب بدلاً منها جهاز لاب توب يمكنه من الاتصال بشبكة الإنترنت.
كما انتهى يوماً كتاب البردي يوشك أن ينتهي أيضاً الكتاب الورقي .. وعافى الله أمي ورحمها في الدارين فلقد عانت مني الأمَرِّين .. وهما فرطا القراءة والكتابة!
فلقد ملأتُ في شبابي مكتبتي منزلي وأدراج مكتبي بشتى أصناف الكتب وقصاصات الصحف وما كنتُ أكتبه بالقلم، ثم صرت أحفظ ما يفيض من الأدراج والمكتبتين في صناديق أحفظها تحت أكثر من سرير! .. فكانت أمي تتأذى من فعلي البغيض لأنها تحب النظام والنظافة وتكره ما يُسَمَّى بالكراكيب.
ومن العجيب أني لمَّا تزوجت لم أشأ أن أنقل إلى عش الزوجية كل ما خزنت، وذلك لأنني أردت أن أحافظ على مساحات تخزينية خالية قد أحتاج إليها في السنوات التالية، وكانت أمي من آن لآخر تسألني: متى ستأخذ الصناديق الموجودة تحت أكثر من سرير!، فكنت أبتسم من دون تعليق!
إلى أن أتيتُ إليها ذات يوم غير بعيد .. من قبل - ولله الحمد - أن تلقى هي أو ألقى أنا رب العالمين .. لأزف إليها بشرى نيتي في التخلص بجد من معظم ما خزنت، ثم أخرجتُ أمامها الصناديق من تحت كل سرير، وأخذت أقول لها وقد اعترانا معاً سرورٌ عظيم: يمكنك أن تشعلي في هذا الصندوق الحريق! .. أما هذا فسآخذ منه أقل القليل والباقي يمكنك أن تلقيه في صندوق قمامة أقرب طريق! .. إلخ.
فقالت: هل أنت بخير؟! .. قلت: نعم بالتأكيد!، فمحتوى معظم الصناديق لم أعد في حاجة إليه، ففي حاسبي الآلي وعلى شبكة الإنترنت ما يعوضني عن كل ما عنه تخليت.
بإختصار .. وجدتُ نفسي أسلك مسلك الشباب وأعزف تدريجياً عن قراءة الكتاب الورقي وأقبل تدريجياً على قراءة الكتاب الإلكتروني، حتى صرت وأنا الذي كنت أقرأ أسبوعياً أكثر من عشرين صحيفة لا أشتري الآن يومياً إلا صحيفة! .. وأستكمل جرعة القراءة التي لا غنى لي عنها بالقيام بالسياحة في بعض المواقع الإلكترونية بالشبكة العنكبوتية.
ولقد أعلنتْ مؤخراً أكثر من صحيفة أجنبية إيقاف إصداراتها الورقية والاكتفاء بإصدراتها الإلكترونية.
وهذا يعني أن عُقد الصحف المصنوعة من الورق قد انفرط، وأنها- أي تلك الصحف- قد ماتت إكلينيكياً وبدأ العد التنازلي لإعلان موتها فعلياً!
التطوير والتغيير سنتان من سنن الحياة، ولا أستبعد أن يغنى مطرب في المستقبل يقول.. بينما نكون نحن وشعبان عبد الرحيم في القبور: "راحت يا ناس خلاص عَ النت"!