السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"السيخ المحمي" في "صرصور" "تيمور"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قامت قيامة الصعايدة من أسوان إلى الجيزة ولم تقعد، واستدعى الأهل فى الداخل أقاربهم فى الخارج، وانتفضت الجاليات الصعيدية فى السعودية والإمارات والكويت تزمجر عبر شبكات التواصل الاجتماعى، الجميع رفع السلاح، والأيادى تقترب من الزناد، والحناجر مشرئبة تصرخ فى هيستيريا: إلا نساء الصعيد!!
فى البداية لم أستوعب ماذا حدث، إيه اللى جرى وخلَّى الجبل الساكن من مئات السنين يتحرك بكل هذا الزخم، مين ده اللى قدر يلحلح "أبوالهول" من مطرحه.
الصعيدى مُسالِم إلى حين، صابر فى كل الأحوال، لا فقرَ يغلبه، ولا غربةَ، ولا هيمنة كفيل، لا حرب، ولا صهاينة، ولا إرهاب، راجعوا أسماء الذين ماتوا فى سيناء فى الأعوام الثلاثة الأخيرة، وراجعوا أسماء الذين ماتوا فى المظاهرات ستجدونهم من الصعيد، أول من سقط فى يناير زميلنا أحمد محمود فى قصر العينى من سوهاج، وأول من سقط فى الاتحادية زميلنا الحسينى أبوضيف من سوهاج، وأول ضابط فى كرداسة من سوهاج، وآخر واحد مات فى قطار محترق، أو سيارة مقلوبة فى المنيب هتلاقيه برضه من الصعيد.
كل الذين اختطفهم الموت فى ليبيا صعايدة، ونصف الذين قتلهم الدواعش صعايدة، ونصف الذين يموتون كمدًا صعايدة، يموتون نعم، يحاربون أكيد، يعافرون لازم، يبنون العمارات الشاهقة والفيلات الفخمة ولا يسكنونها نعم، لكن يتمردون، يثورون، ويرفعون السلاح مرة واحدة، ده المستحيل بعينه، لكنه حدث، والعدو شخص مجهول، نكرة، لا سوابق له، لا صلة بعالم المشاهير إلا جزء من اسمه تصادف أن اقترب من عائلة صانع الأفلام الأشهر فى السنوات الأخيرة، تاجر اللحوم المعروف -السبكى- أما اسمه الأول فهو اسم غريب أصلًا على أسماع المصريين، "تيمور"، طب إيه اللى رماك ع المر يا تيمور؟!! إيه اللى جابك هنا؟ وإيه وداك الصعيد؟! أبشر يا تيمور، رقبتك التى تقول الآن إنها فى ذمة الداخلية، حتما لن تكون فى ذمة الداخلية إن لم يتدخل أحدهم -من الصعايدة طبعًا- ويرفع يد العفو فى وجهك، يعنى ما لقتش حاجة فى البلد، فى الصعيد غير الستات تتكلم عنهما، يا بنى يا حبيبى، نص اللى أعرفهم ما شركوش فى 25 يناير، وإدوا أصواتهم للإخوان في "البحاروة" اللى كتبوا على قطر "مجبل" فى أيام يناير الأولى :لا ترسلوا رجالكم!! يا ننوس عين أمك إيه حدفك ع اليمه دى؟!!
ألم تسمع من قبل أن السلاح فى صعيد مصر لا يخرج من مكانه إلا لشيئين، الأرض، والعرض؟! ألم تعرف أن معظم حوادث الثأر هناك أساسها امرأة؟!! ما تخبطتش فى محطة مصر، ولا موقف المنيب بواحد منهم، إيه اللى رماك ع المر؟!
ربما شغلتنى كل هذه الأسئلة التى أعرف إجاباتها جيدًا، لكن ما شغلنى أكثر، وربما سيظل أيامًا أخرى بعد أن تهدأ هوجة "تيمور السبكى" هو لماذا يتشعلق أهلى فى الصعيد -وما حدش يزايد عليَّ أنا عنصرى أساسًا- بعيل تافه قال كلمتين تافهين فى قناة تافهة عن حاجة ما يعرفهاش، اتفزلك يعنى فاطس فى نظره، واتسحب من لغلوغه يتمنظر على خيرى رمضان؟ إيه اللى خلى الصعايدة ونوابهم لا ينتفضون لانهيار كوبرى الجامعة الجديد فى سوهاج بعد افتتاحه بشهور قليلة، ومسكوا فى السبكى، ليه تجاهلوا انقلاب قطار عاشر بأهاليهم، ومسكوا فى السبكى، أغمضوا عيونهم عن مستشفيات كالحة، ومياه مالحة، ووشوش عكرة، تنغص حياتهم اليومية، ومسكوا فى السبكى؟
لماذا يستدعون الآن تراث شقيقه، ويتحولون جميعهم إلى "متولى"، مع أن البر كله مليان بلاوى، ألم يسمعوا بأن "الحوجة مذلة"، وأن الحوجة تجيب العار؟!
أظن وبعض الظن ليس إثمًا، أن الغضب الذى اجتاح الوجوه والألسنة ليس سببه "غلطة تيمور التى لا تغتفر"، سببه الحقيقى أوجاع حقيقية يعاشونها، لكنهم لا يجرءون على الشكوى منها، ليس خوفا فقط، ربما من اليأس أيضًا، وهذا هو الخطر بعينه، فمن ترك الحمار اليوم وراح يتشطر على البردعة، لن يعبر على الحمار كثيرا خصوصا وإذا كان صاحب نخوة.
وعلى السادة مشاهدى خيرى رمضان -صاحب "الممكن"- يبحثون عما هو ممكن فى "رسائل الغضب تلك"، هناك نار تحت رماد هذه الهبة.، الصعيد موجوع لكنه يتخطى وراء الثأر لكرامة "الجماعة"، والجماعة هو لفظ يطلقه الصعيدى على امرأته، لأنه لا يحب أن يذكر اسمها على المشاع.
انتظر الصعيد طويلا حتى ينتهى مبارك من حربه على إرهاب الجماعات الأصولية، ولم يتعاطفوا مع "25 يناير" فى البداية، لأنهم شعب مستقر، ابن الأرض والزرع، لكن سرعان ما تفاءلوا ببتوع ربنا، ثم سرعان ما نفضوا أيديهم منهم، لأنهم لم يجدوا شيئًا مما حلموا به، وانحازوا لابن المؤسسة العسكرية لأن طبيعتهم من طبيعتها، صارمة، ويثقون فى عدلها، لكن العدل لم يصل إليهم حتى الآن، هم لا يخشون من كلمات "تيمور السبكى" العبيطة لكن يخشون الفقر، واليأس، ورغم أنهم يؤمنون أن طولة البال بتبلغ المراد، كما يؤمنون بنظرية اللى يجيلك بالغصب خده بالرضا، لكنهم يشعرون بأن الجبال ضاقت عليهم مع إدارات حكومية فاشلة تشبه "تيمور السبكى" تمامًا فى تعاليه وغطرسته وجهله بهم.
على السادة الذين اندهشوا، أن يندهشوا أكثر، ولا يستجيبوا للشياطين التى ترى أنها هوجة وخلصت، وحلقة وعدت، التقيل لسه ما جاش، وتيمور مش تيمور، ويا عم تيمور، أبْشِرْ.