الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شباب الإسعاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عدة أيام، تعرض أحد أصدقائى لأزمة صحية، واستنجدت بى زوجته ثم طلبت الإسعاف، التى وصلت قبلى بعدة دقائق للمنزل- ربما بسبب أنها مدينة جديدة تخلو شوارعها من الزحام- وعندما وصلت، وتحدثت مع شاب الإسعاف، الذى قال لى: «عاوزين تروحوا مستشفى إيه؟» فقررت اختباره قائلا: «أنت شايف إيه.. ممكن نروح مستشفى «....» الخاصة؟»، قال لى: «براحتك اللى إنت عاوزه.. بس فيه برضه مستشفى الشيخ زايد، وهتلاقى نفس الخدمة هناك وبفلوس أقل»، وهو المستشفى الذى كنا ننوى الذهاب إليه بالفعل، وحاولت أن أعطى الشاب مبلغ ٢٠ جنيها، لكنه رفض بشدة.
ومنذ أيام كنت مسافرا على طريق الجيش، المعروف بطريق الكريمات، وهذا الطريق شبه مهجور، لا توجد به أى خدمات، لكن يوجد على جانبى الطريق مكان للإسعاف، وتقريبا يكون مكانا مظلما، نزلت فى إحدى نقاط الإسعاف، وطلبت من الشاب المكلف بالخدمة هناك ماء للشرب، فقدم لى كوب ماء، فسألته «عايشين إزاى هنا؟»، فرد وهو يبتسم قائلا: «نحن نؤدى مهمة مثل الخدمة العسكرية تقريبا»، فسألته عن راتبه، فقال «الحمد لله مستورة وأهم شيء الصحة.. كل يوم ناس بتموت على يدى وبنروح بيها المستشفى بلا أمل فى علاجها»، فسألته «وما سبب تلك الحوادث فى رأيك؟»، فقال «أنا اشتغلت على طرق سريعة كتير، ومن خلال ملاحظاتى السبب الأول والأخير فى الحوادث هو الأخطاء البشرية، فالطريق واسع وممهد، ورغم ذلك الحوادث شيء أساسى هنا بسبب السرعة أو عدم القيادة الصحيحة للسيارة أو بسبب السرحان»، قلت له: «يبدو أنك تتمتع بخبرة فى الحوادث أفضل من مهندسى الطرق؟»، فقال: «نحن نذهب بالحالات إلى المستشفيات العامة والحكومية، والتى هى فى الأساس تعانى من الإهمال والفساد، وكل طريق يحتاج إلى مستشفى مجهز به أطباء مخ وأعصاب وعظام»، فقلت له: «والله عندك حق فى الخارج ينقلون مصابى الحوادث بالطائرات، ونحن ندفنهم فى مستشفيات»، فسألته: «وهل تخاف العمل فى الليل؟»، رد قائلا: «زمان كنت بترعب ودلوقتى خلاص مش بخاف»، فمازحته قائلا: «أكيد بتاخد مرتب كويس»، فضحك قائلا: «هى الصحة فيها حد بياخد مرتب كويس غير البهوات فى المكاتب.. وبعدين أنا مستعد أديك مرتبى، وتقعد يوم فى الحتة المقطوعة دى بدالى»، فسألته: «إنت معندكش راديو ولا تليفون فى المكان ده»، فقال لى: «الحتة دى مفيهاش إرسال إذاعة ولا شبكات تليفون حتى».
بعد ما رأيته من شباب المسعفين، أرجو أن تلتفت الوزارة لأمثال هؤلاء الشباب المخلصين الذين يعيشون فى ظروف عمل شديدة الصعوبة، تتمثل فى الحر الشديد أو الصقيع، المتواجدين فى أماكن مهجورة، ويحصلون على رواتب ضعيفة، فهؤلاء يستحقون عطاءً بلا عدد، وهم أحق من «بشوات» الديوان العام لوزارة الصحة، الذين لا يفعلون شيئا سوى الحصول على المال وتقاضى مرتبات باهظة لا يستحقونها، التفتوا إلى شباب الإسعاف وصغار الأطباء، فهم أمل المواطن فى الدولة، وآخر الرجال المحترمين.