الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السينما المصرية.. من القاتل؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صناعة السينما فى مصر تعمل بقوة الدفع الذاتي، ولكن المنتج ردىء فنيا ولا يصلح للاستهلاك الآدمى فى أحيان كثيرة. ورغم أن الكل يتحدث عن «الأزمة»، إلا أن العاملين فى المهنة، سواء الكيانات السينمائية مثل غرفة صناعة السينما ونقابة السينمائيين أوالأفراد من منتجين وفنانين لا يريدون الاعتراف بحقيقة الأزمة، ويلقون باللوم دائما على عناصر خارجية، غالبا ما تتضمن أمريكا والغرب الاستعمارى أو السعودية والشرق الرجعي.. إلى آخر «الشماعات» التى يعلق عليها الفشلة أسباب فشلهم فى صنع فيلم محترم يصلح للعرض عالميا أو محليا.
هناك استثناءات بالطبع، وهى أفلام تغنى مع أصحابها خارج سرب الصناعة والسوق، ولكن الموضوعية تستلزم منا أيضا أن نؤكد أن هذه الاستثناءات هى الأخرى لا ترقى مهما ارتفع مستواها إلى ما نشاهده من روائع السينما العالمية غربا وشرقا وشمالا وجنوبا.
ومن عجب العجاب أن هذه الاستثناءات منبوذة ومحاصرة ليس فقط من قبل الصناعة والقائمين عليها، ولكن أيضا من قبل الجمهور الذى أدمن الأفلام «الهابطة» والإعلام المصرى الذى يجد متعة هائلة فى «انتقاد» الأفلام «التجارية» ويخصص مساحات هائلة من الصفحات وساعات البث التليفزيونى للهجوم عليها، ويجهل ويتجاهل هذه الاستثناءات الجيدة، وعلى سبيل المثال سوف تجد عشرات المقالات والبرامج التى هاجمت أفلام السبكى وصوفينار وبرديس، بينما لا تكاد تجد شيئا يذكر عن الأفلام «الفنية» الجيدة.
ومن عجب العجاب أن البلد الذى أصبح يستورد كل شيء من الصاروخ للإبرة، بما فى ذلك الولاعات والفوانيس والكبريت ينبرى إعلامها ومثقفوها والمسئولون عن السينما فيها لرفض زيادة نسخ الأفلام الأجنبية المسموح لها بالعرض فى مصر بحجة الدفاع عن صناعة السينما المصرية، فى الوقت الذى يعمل فيه هؤلاء بكل قوتهم لقتل هذه الصناعة من خلال أفلام رديئة وفاسدة فنيا... وهم فى ذلك مثل بقية زملائهم من أهل الصناعة فى مصر الذين يدمرون صحة وجيوب المواطنين بسلعهم الفاسدة وأسعارهم الفاحشة بدون تقديم خدمة حقيقية.
دور العرض فى مصر أصبحت تئن من عدم وجود أفلام، والأفلام المصرية تعرض غالبا فى قاعات خاوية من الجمهور، وفى مصر كلها يوجد أقل بكثير من ٥٠٠ شاشة عرض، بينما الرقم المفروض وفقا للمعدلات العالمية، وفقا لعدد السكان والمساحة الجغرافية، يجب أن يصبح 5 آلاف شاشة.
والمشكلة لا تكمن فى عزوف الجمهور عن الأفلام المصرية والإقبال على الأمريكية، ولكن فى عدم وجود جمهور أصلا لأى أفلام، وعدم وجود قاعات سينما أصلا فى حالة وجود جمهور.
دور العرض هى البنية الأساسية لصناعة السينما، قبل الإنتاج وعمليات ما قبل وما بعد الإنتاج، فلا فائدة من وجود أى منتج إذا لم يكن هناك منافذ لبيعه ومستهلك يحتاج إليه، وفيما يتعلق بصناعة السينما فليس لدينا منافذ لعرضها وليس لدينا جمهور يمكنه تذوقها والاستمتاع بها ومعرفة فوائدها.
ولمن يجيد التذكر، فإن صناعة السينما المصرية التى ماتت تقريبا عام ١٩٩٥، عادت للحياة نتيجة بناء دور العرض الحديثة التى ازدهرت فى نهاية التسعينيات وعاشت لسنوات على الأفلام الأمريكية، ولكنها شجعت المنتجين المصريين على إنتاج المزيد من الأفلام وعلى تحسين مستوى صناعة هذه الأفلام صورة وصوتا ومضمونا.
ولا أمل لصناعة السينما، أو للإنتاج الثقافى عموما، إذا لم يصحبه تثقيف وتربية فنية عبر المدرسة والتليفزيون والمؤسسات الثقافية، وزيادة حركة النشر والترجمة، وقبل ذلك كله وعى القائمين على غرفة صناعة السينما والنقابات الفنية والمهرجانات وقصور الثقافة.. أن دورهم الأساسى هو رفع مستوى الذوق العام، قبل التفكير فى مكاسبهم المتواضعة التى يجنونها من أفلامهم الوضيعة.