الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الحوثيون: من حركة واعدة إلى سلطة فاسدة

 الحركة الحوثية
الحركة الحوثية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
​ربما تنفرد الحركة الحوثية تاريخيًا بكونها الحركة الأسرع في تحولها من الوعد إلى الفساد، وذلك لأنها فور تصدرها قيادة الانتفاضة الشعبية التي نجحت في القضاء على الاقطاع السياسي والعسكري لبيت الأحمر، مشيخة ولواء، سعت إلى فرض سلطتها وسلطانها بقوة غير منظمة قانونيًا من خلال ما أسمته اللجان الشعبية والثورية.
لم تدرك الجماعة أن الفساد الأكمل والأشمل يأتي من أفراد منحوا سلطة أعلى من كل السلطات بغير ما تنظيم لهذه السلطة يشرعنها إداريًا بالقانون ويحكمها به لتكون مسئولة عن هذه السلطة ومساءلة عنها أمام القانون، ولم تنتبه للكيد السياسي الذي استدرجها إلى هذا المستنقع الآسن بالفساد، واستهدفت به القوى المتضررة من سقوط الاقطاع القبلي في الداخل والخارج القضاء التام على الوعد الذي حملته الحركة وانجزته في وثيقة وطنية عرفت بـ "اتفاق السلم والشراكة الوطنية".
لم تكتف بالفساد الذي صنعته بتسليط لجانها الشعبية والثورية على الدولة ومؤسسات سلطتها الحاكمة، وأضافت إليه مفاسد سطوها المسلح على دور الدولة في استخدام القوة ضد الجماعات الإرهابية عندما فوضت نفسها بمحاربة تنظيم القاعدة في مواقع تمركزه بالمحافظات القريبة من العاصمة صنعاء والبعيدة عنها على حد سواء، وهنا ظهرت الحركة الحوثية كسلطة أعلى من كل السلطات، متجاوزة حدود حقيقتها كجماعة منظمة وحركة محكومة، بنظام واتفاقيات، ولعلها جهلت أو تجاهلت المخاطر المترتبة على تعدد السلطات الذي صنعته الحركة في المجال العام.
وعندما وجدت الحركة الحوثية نفسها غارقة في مستنقع فساد صنعته بيدها وأوقعها فيه المتربصون بها وبالمشروع الوطني معها، لم تحاول أن تقف من نفسها موقفًا تقييميًا موجهًا بالنقد الذاتي للأخطاء والخطايا ومنفتحًا على المراجعة والتراجع والقدرة على التصحيح والتصويب، وبدلًا من ذلك، اتجهت نحو تصعيد أهوج وضعها في مواجهة مع هرم السلطة ورمز شرعيتها ممثلة برئاسة الدولة ورئيس الجمهورية، ابتداء من اختطاف مدير مكتب رئاسة الجمهورية وما تلا ذلك من حماقات ارتكبتها الحركة حتى أعلن قائدها الأخ عبدالملك الحوثي بغير صفة محددة له التعبئة العامة مقررًا خوض حرب مجهولة ومفتوحة بلا حدود على كل الاحتمالات وكافة المخاطر.
وهنا، نتوقف لمناقشة دفاعين يضعهما بعض قادة الحركة لتبرير تحولها الأسرع من الوعد إلى الفساد أحدهما يقول بأن كيد المتآمرين على الحركة وعلى الإنجاز الوطني المتحقق بالحوار والشراكة، أجبر الحركة على كل ممارسات التسلط التي اتخذتها دفاعًا عن المنجزات، ودفعًا للمؤامرات، ومكافحة للفساد ومحاربة للإرهاب. أما الآخر، فمفاده أن المصير الذي آلت إليه مسيرة الحركة بعد 21 سبتمبر 2014م كان حتمًا مقضيًا بالتآمر الداخلي المسنود خارجيًا بقوى الاقليم ودول كبرى، لذلك لم يكن بمقدور الحركة دفع هذا التآمر حتى لو اتخذت مواقف وإجراءات مغايرة تمامًا لكل ما صدر عنها وتحقق بها.
وهما دفاعان لا يستقيمان ومنطق المسئولية الذي يفرض على الحركة الحوثية تحديد الاحتمالات والاختيار منها على ضوء ما تقدمه حساباتها للإمكانيات والعواقب، فأولًا، لم تكن الحركة مجبرة على ممارسات فشلت في دفع التآمر واحباط مخططاته الرامية إلى إغراق الوطن بالفوضى والدمار، وثانيًا، كام بمقدور الحركة الحوثية أن تلتزم بحدود طبيعتها كجماعة شريكة مع غيرها ومشاركة له في حمل المسئولية الوطنية وأداء ما تقتضيه من واجبات ومهام، وثالثا، ليس بمقدور الحركة إنكار غرورها بقوتها وتوهم استعصائها على الانكسار، فهذه حقيقة كانت ظاهرة في لغة التهديد والوعيد التي طغت على كل خطابات الأخ عبدالملك الحوثي.
ومن الواضح بيسر أن الحركة لم تحسم أمرها تجاه الاختيار بين الاستيلاء على السلطة أو الشراكة في إعادة بنائها وفقًا للأطر المرجعية التي حددتها مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية، فمارس الأخ عبدالملك الحوثي دور قائد ثورة من موقعه كشريك في المسئولية مع الغير، على سلطة مستقلة عنه بمسئوليات محددة ومنظمة بالقانون العام. وبهذه الازدواجية عطلت الحركة عملية تنفيذ المهام التي حددها اتفاق السلم والشراكة واتجهت بعيدًا عنها لتنزلق بنفسها ومعها اليمن إلى اقتتال أهلي وحرب خارجية لتحالف عسكري تقوده السعودية.
ولعل التناقض الذي تتخبط فيه الحركة الحوثية، بين التصرف كسلطة عليا والبقاء كجماعة معبرة عن نفسها فقط في كل المفاوضات التي شاركت بها الحركة في موفنبيك بصنعاء قبل الحرب، وفي مسقط وجنيف بعدها، ولو أنها حسمت الأمر لتكون إما سلطة عليا، أو جماعة معبرة عن نفسها فقط، أقول، لعل هذا التناقض يكشف عن قصور ذاتي لدى الحركة نتيجة ضحالة رصيدها المعرفي بالسياسة وسوء تقدديها لعواقب ما تتخذه من مواقف وقرارات.
وإذا كانت الحركة قد صنعت أسرع تحول من الوعد إلى الفساد، فإن استمرارها في ذلك يعني صناعتها لأسرع عملية تلاشي وانهيار فمن الواضح في الظاهر والباطن من وضعها الراهن، أن الحركة الحوثية لم تعد قادرة على تقديم الوعد المستقبلي لجماهيرها قبل الشعب كله، وهذا يعني فقدانها كل ما يبرر وجودها واستمراره في الواقع، ألم تخرج الحركة نهائيًا من القضية الجنوبية بعد أن كانت وحدها من تحمل كل الوعود المأمولة للجنوب وقضيته العادلة؟!
تقول الوقائع في الواقع الذي شهد تحول الحوثيين من الوعد إلى الفساد، إن هذا التحول تحقق بأغلى ثمن دفعه شعبنها اليمني العظيم ولم يربحه الحوثيون، وإن مالاته المحتملة تنذر بما هو أفظع وأقسى من المآسي والويلات، فهل يتدارك الحوثيون فرصتهم الأخيرة لإنقاذ اليمن، الشعب والوطن، الحاضر والمستقبل من كوارث فسادهم وويلات خروجهم النهائي من المشهد الوطني اليمني كله؟ وبمقدورهم ذلك إذا وإذا فقط أنهوا عملية السطو المسلح على الدولة، وتحملوا مسئوليتهم عن عواقبه الوخيمة، وكفروا عن ذلك بتقديم كل ما يتطلبه إنقاذ اليمن من مواقف وقرارات، ومن تراجع وتنازلات.
وإلا فهم في طغيانهم يعمهون.