السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

أمي العزيزة.. إزيك عاملة إيه؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكتب لكِ هذا الخطاب لأخبرك بكلام طالما أردت أن أقوله لك وماعرفتش، كسوف بقى، إحراج، رهبة، ماتفهميش، المهم إنه حاجز كدة مش فاهمه..
عمومًا يا أمى لقد اخترع الإنسان طرقًا كالكتابة ليواجه أشخاصا يعجز أن يحدق بأعينهم وهو يواجههم لأن كلامًا كثيرًا يتبخر وقتها.
لدى مشكلة عميقة يا أمى، اكتشفت أن كل المشاكل التى واجهتنى كان لها حل عبقرى، ولكنى لا أكتشفه إلا بعد أن تكون المشكلة قد انتهت وقد تعاملت معها بأسوأ حل، وهكذا أصبحت حياتى مرتعًا للفشل والتخبط، وهو نفس حالى بعدما فارقتك، أنتى صحيح تملأين الدنيا بأنفاسك ولكنى فعليًا فارقت حضنك، فارقت ذلك السياج الحديدى الضخم الذى كان يحمينى من بطش الناس، وأصبحت ناضجًا بما يكفى لأن أتحمل مسئولية نفسى. لا أخفى عليك أننى كثيرًا ما كرهت طفولتى، كرهت أن أكون مسلوب الإرادة، ولا أخفى عليك أيضًا أننى أفتقدها وبشدة.. أفتقد طفولتى فعلا.. كنت بالأمس طفلا مدللا، مستسلمًا لاختيارك أكلى وملابسى وأصدقائى، وعلىّ الآن أن أختارهم أنا فلا أحسن الاختيار، فصحتى متدهورة وملابسى أكرهها بعد أول لبستين وأصدقائى كلهم اختاروا ألا يكملوا معى الرحلة وتركونى وحيدًا.. وحيدًا جدًا يا أمى!
كنت بالأمس أستعين بك من أجل أن «تطقميلى» وأنا خارج، أن تختارى لى تسريحة شعر مناسبة، أما الآن يا أمى فأنا مطالب أن أختار القرارات المصيرية فى حياتى، أختار كلية تضمن مستقبلى، وعملا دخله جيد وفى نفس الوقت مريح، وأن أحاوط نفسى بمجموعة من الناس الطيبين، وأن أختار إنسانة حنونة تكمل معى ما تبقى لى من أيام، أما الآن يا أمى.. فأنا أتحمل نتيجة اختياراتى وحدى، أدركت الآن نعمة أن تختار لى الأحسن فى كل شيء بدلًا من إرهاقى واستنزاف عمرى الذى يضيع بين الاختيارات الفاشلة، أوقات كثيرة يا أمى أنظر لتبعات قراراتى الفاشلة وأكتشف كم كنت قاسيًا على نفسى.. قديما كنت ألومك على كل ما يحدث لى لأنه اختيارك وقرارك، أما الآن فلا ألوم إلا نفسى وما أقسى ذلك على النفس يا أمى!
تتذكرى يا أمى يوم أن نهرتينى لكى أغلق الباب جيدًا لكى لا يدخل فئران وتجاهلتك.. بالفعل دخل فار وبهدلنى ولكنى أخفيت عليك، تتذكرى يوم أن حذرتينى من الاستحمام والخروج للشارع مباشرة وكبرت دماغى.. أصبت بعدها بدور برد شديد وعملت نفسى كويس حتى لا تأنبينى، تتذكرى يوم أن حذرتينى من أن «الفلوس كده هتقع من جيبك» قد وقعت بالفعل واستلفت بقية الشهر من أصدقائى دون اللجوء إليك حتى لا توبخينى وتظلى ترددى كل خمس دقايق «مش قلتلك»، لا أدرى يا أمى لماذا كنت أتمرد على كل تحذيراتك بل وأتحداها حتى تحدث فعلًا وبعدها أحاول أن أتظاهر أمامك بالحكمة.. ولكنى أعترف لكِ الآن أننى دومًا ما خسرت الرهان!
وأخيرًا يا أمى، أنا جبان، جبان جدًا، جبان لدرجة أنكِ لن تقرأى هذا الكلام ولن يصلك، كتبته هنا لاننى لا استطيع انا اواجهك به، ولو واجهتينى انتى به ربما سأنكر أن هذا الكلام كلامى وان هذا الكتاب يخصنى اصلا، اه قبل ما انسى..انتى يا امى اخر شيئ حقيقى..أنتى الحقيقه الوحيده التى مؤمن بها، انتى الوحيده التى تحبينى دون مصلحة او هدف، انتى اللى كنت بتشربى الدوا قبلى عشان تطمنينى انه طعمه حلو.. واستمرت حياتك على كده.