الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تكشف.. اختفاء 157 "قطعة أثرية" من "منطقة سقارة"

منطقة سقارة- صورة
منطقة سقارة- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القضية تمس أمن هذا البلد ويسرق جزء من تاريخه أو يختفى بـ«فعل فاعل».
الموضوع لا يحتاج إلى مقدمات أو إسهاب بلا أى قيمة أمام حجم الكارثة التى تتجسد فى اختفاء نحو 157 قطعة أثرية من المخزن المتحفى رقم «1» بمنطقة آثار سقارة.
وسط تبادل الاتهامات بين المسئولين يبدو أن الحقيقة قد تاهت هنا فى «البوابة» نفتح هذا الملف استنادًا إلى أوراق ومستندات رسمية، ومعلومات مستقاة من واقع التحقيقات التى تجريها النيابة الآن فى القضية.
مشروع المتحف المصري الكبير
بدأ مشروع المتحف المصرى الكبير فى ٢٠٠٢ حيث كان من المفترض أن تنتهى أعمال البناء عام ٢٠١٢، غير أن ظروف البلد السياسية والاقتصادية - بفعل الأحداث التى أعقبت الثورة - حالت دون إتمامها فى الموعد المحدد، ليتأخر الافتتاح الجزئى إلى مايو ٢٠١٨ بالمجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، ثم الافتتاح الكلى للمتحف فى ٢٠٢٢، فيما تتولى وكالة التعاون الدولية اليابانية (جايكا) تمويل المشروع بشكل أساسى فى صورة «قروض ميسرة».
وفق الاتفاق المبدئى فإن تمويل المشروع يتم بشكل مشترك بين الحكومتين المصرية واليابانية، على أن يسدد الجانب اليابانى ممثلًا فى وكالة التعاون الدولية «جايكا» ٤٥٪ من قيمة المشروع البالغة حوالى مليار دولار، فيما تبلغ حصة الجانب المصرى ٥٥٪ تسددها وزارة الآثار.
ونظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية بعد الثورة لم تستطع وزارة الآثار الوفاء بالتزاماتها، فبعد أن اقترضت أكثر من ٣٠٠ مليون دولار من وكالة JICA، طلبت ٤٠٠ مليون دولار إضافية لإتمام أعمال المتحف لتصل مساهمات الجانب اليابانى إلى ٧٠٠ مليون دولار.
مع بدء التفكير فى المشروع تشكلت لجنة لتجنيب القطع المختارة من المخزن المتحفى رقم «١» بسقارة للعرض بالمتحف المصرى الكبير، ووضع قاعدة بيانات لها ووضعها فى صناديق خاصة بالمتحف فى المخزن.
وفق محاضر عمل اللجنة -التى حصلت «البوابة» على نسخة منها- فإن اللجنة التى بدأت عملها فى ٥ / ٧ / ٢٠٠٩ (تاريخ المحضر رقم ١)، انبثق عنها لجنتان، الأولى (لجنة سقارة) وتضم كلا من: خالد محمد محمود، كبير مفتشى المخزن المتحفى رقم (١)، وخالد يوسف مرسى، مفتش آثار المخزن المتحفى رقم (١)، ووليد جمعة بيومى، مفتش آثار المخزن المتحفى رقم (١)، والثانية (لجنة المتحف المصرى الكبير) وتضم كلا من: محمود سامى محمد، مدير عام وحدة قاعدة البيانات الأثرية، ومريم كامل بطرس عضواً، ومى أحمد محمد رشيد، عضواً، ورشا حسنى خليل، عضواً، وعزة قدرى، عضوا، ومن الجانب اليابانى، يوتاكا نيكو.
بدأت اللجنة فى معاينة القطع الأثرية الموجودة فى المخزن واختيار القطع المناسبة للمتحف، وتم بالفعل اختيار ٣٧٥٠ قطعة، وتوثيق أرقامها فى محاضر رسمية واحتفظت اللجنة بوصف تفصيلى لكل قطعة على حدة.
كارثة لوحة الزيوت السبعة
متى انكشفت الكارثة إذن؟

كان ذلك فى سبتمبر ٢٠١٣ حين تلقى الدكتور محمد إبراهيم، وزير الدولة لشئون الآثار سابقا، خطابا من «الإنتربول» يفيد بضبطه لوحة حجرية أثرية مصرية أصلية فى بيرن بسويسرا تنطبق أوصافها على «لوحة الزيوت السبعة»، التى تقول السجلات الرسمية إنها مودعة داخل المخزن المتحفى رقم «١» بسقارة برقم «١٠٢٢».
تقرر تحويل الأمر للشئون القانونية بوزارة الآثار التى قامت بتحرى الأمر والتحقيق فيه وجرى تحويله إلى النيابة العامة للتحقيق.
بعدها اتخذت وزارة الآثار قرارًا إداريًا بإغلاق مخزن سقارة رقم «١» مؤقتًا، لحين الانتهاء من تحقيقات النيابة العامة فى الواقعة كإجراء احترازى، حيث لا يحق لأى شخص فتحه إلا عن طريق النيابة، وذلك من تاريخ تحويل القضية للنيابة.
تبادل مسئول عهدة مخزن رقم (١) خالد محمود، ومسئولو المتحف الكبير الاتهامات، إذ أكد الأول أنه تم تسليم العهدة للمتحف الكبير وفقًا لاختياراتهم من الآثار للعرض بالمتحف منذ فترة، ولكنها كانت موجودة فى المخزن كـوديعة، لحين نقلها، وهو ما نفاه مسئولو المتحف الكبير.
تحقيقات نيابة الجيزة
هذا الخيط قاد للكارثة الكبرى التى تحقق فيها نيابة الجيزة الكلية الآن فيما يتعلق باختفاء ١٥٧ قطعة أثرية من المخزن المتحفى رقم «١» بسقارة، وذلك بعد أن ظهرت قطع أثرية من محتويات المخزن فى عدة دول أوروبية من بينها فرنسا وسويسرا، حيث أمرت النيابة بجرد القطع المجنبة لحصر المختفى منها.
عند عرض المحاضر -التى تسلمتها النيابة من، كبير مفتشى المخزن المتحفى رقم (١) بسقارة - المسجل بها أرقام القطع المختارة على أعضاء لجنة المتحف الكبير، فوجئ أعضاء اللجنة بوجود أعداد زائدة على ما اختاروه.
كما فوجئوا بتزوير فى المحاضر التى سبق ووقعوا عليها، حيث تمت إضافة ١٥٧ قطعة لم يكونوا يعلمون عنها شيئا.
هنا قامت اللجنة بفحص الصناديق الخاصة بالمتحف التى تحتوى على القطع التى تم اختيارها وعددها ٦٦ صندوقا بشكل واحد لتجد أن الصناديق المجنبة هى ٧١ صندوقا بزيادة ٥ صناديق ليست لها علاقة بصناديق المتحف الكبير.
وبحسب مستندات حصلت عليها «البوابة» فإن هناك تلاعبا فى أرقام القطع وعددها، وكذلك وضع عشرات القطع المزيفة مكان أخرى حقيقية، كان المفترض نقلها لمعامل الترميم بالمتحف المصرى الكبير.
نفس الأمر المتعلق بـ«لوحة الزيوت السبعة» تكرر عندما أعلنت وزارة الآثار فى أكتوبر الماضى استرداد تمثال أثرى يعود لعصر الأسرة السادسة من فرنسا (يبلغ ارتفاعه حوالى ٣٣ سم مصنوع من الخشب، يمثل سيدة نائمة على بطنها فاردة يديها للأمام فى وضع انسيابى) وتبين للجنة التى قامت باستلام التمثال أنه ضمن مجموعة يفترض مخزنة فى المخزن المتحفى بمنطقة سقارة الأثرية.
وتبقى المفاجأة متمثلة فى أن التمثال من القطع التى أشارت لجنة المتحف الكبير أنها دخيلة على القطع التى قامت اللجنة باختيارها، ما يشير إلى أن هناك قطعا من الموجودة بمحاضر التجنيب للمتحف المصرى الكبير «دخيلة».
السجلات السرية لمخزن سقارة
حصلت «البوابة» على السجلات السرية لمخزن سقارة المتحفى التى توضح أوصاف وصور القطع المختفية، ومنها: آنية فخار يدوية الصنع بها شرخ كبير عند منتصف اليدين برقم ١، وأداة لوضع الماكياج مشكلة على هيئة أوزة وتضع منقارها جانبا مصنوعة من العاج برقم ١٦، ومسند رأسى به كسور فى أنحاء مختلفة من الجسم والقاعدة مصنوع من الخشب برقم ٢٠، ومشطا شعر مصنوعان من الخشب برقمى ٢٣ و٢٤، وتمثال صغير من الحجر الجيرى لسيدة جالسة تحمل طفلة على ركبتيها وتظهر بقايا لون أسود برأسيهما برقم ١٩٢٧٦، وعقد منظوم فى خيط حديث عبارة عن تمائم بأشكال مختلفة مصنوع من العقيق ومواد أخرى برقم ١٩٢٧٧، وعدد ٢ خاتم أحدهما من العقيق الأحمر عليه نقش غائر والآخر من الفيانس عليه نقوش غير واضحة برقم ١٩٢٧٨، وتمثال صغير من الخشب لسيدة عارية تضع يديها جانبا برقم ١٩٢٧٩، وتمثال لحيوان ممدود الجسم والساقين الخلفيتين والذيل مصنوع من الخشب برقم ١٩٢٨٠، وتمثال خشبى لسيدة فى وضع نائمة على بطنها وتمد يديها إلى الأمام ووضع الجسم يأخذ حركة انسيابية (التمثال العائد من فرنسا)، وتمثال خشبى واقف على قاعدة خشبية ومرمم قديما عند الذراع اليمنى وعلى القاعدة بقايا ألوان حمراء، وتمثال من الفخار على هيئة ثعبان الكوبرا وعليه ألوان حمراء وسوداء، وجعران من الفيانس عليه زخارف طراز زجزاج، وأداة لوضع الماكياج من الخشب على هيئة عمود وعليها زخرفة بالألوان الصفراء والبيضاء، وتمثال فخارى عليه بقايا لون أصفر والرأس بلون أحمر، وتمثال من الألابستر به ترميم على اليدين، وتمثال من الخشب لسيدة تبسط ذراعيها إلى الأمام وفوق يديها غزال، وجزء علوى من تمثال أوشبتى حجرى عليه بعض الأحرف الهيروغليفية، وتميمة من الفيانس على هيئة قط «باستت»، وتميمة للإله «بس» بها ثقبان، وإناء من الفخار وعليه سدادات طينية، ومجموعة تمائم صغيرة من مواد مختلفة ذات أشكال متعددة، ولوحة من الحجر الجيرى عليها من أعلى نحت يمثل عين «أوجات»، وقائمة للزيوت السبعة وبها سبعة أسطر تمثل أسماء الزيوت السبعة المقدسة وهى غير واضحة ويعلوها سطر أفقى من الكتابة الهيروغليفية (لوحة الزيوت السبعة).
اعترافات جميع الأطراف
لم تكتف «البوابة» بما حصلت عليه من مستندات، حيث استطلعت كل المعنيين بالأمر فلربما ينبثق من خلال الاستطلاع بصيص أمل يكشف عن الجانى سواء من هنا أو هناك، إذ قال علاء الشحات، مدير منطقة آثار سقارة، إن التمثال الخشبى العائد من فرنسا «كان من ضمن الآثار الموجودة بمخزن سقارة ١»، مشيرًا إلى أن «اللجنة المشكلة لجرد القطع المجنبة للمتحف المصرى الكبير للوقوف على حالة باقى القطع سلمت تقريرها للنيابة التى تجرى التحقيقات الآن».
وأضاف «الشحات»، لـ«البوابة»، أن ظهور «لوحة الزيوت السبعة» بسويسرا كشف اختفاء قطع من المخزن، وتابع: «نحن فى انتظار نتيجة تحقيقات النيابة، وإن ظهر تورط مدير المخزن سيتم جرد محتويات المخزن بالكامل الذى يحتوى على حوالى ١٨٠ ألف قطعة، لبيان إذا ما كان هناك قطع أخرى قد تمت سرقتها أم لا».
أما خالد محمود، مدير مخزن سقارة، فقال لـ«البوابة»: «الوضع الآن فى يد النيابة بعد أن أتمت لجنة الجرد عملها بجرد القطع المجنبة وقدمت تقريرها للنيابة، وأؤكد أننى قمت بتسليم القطع بالكامل للجنة المتحف الكبير بمحاضر رسمية»، مضيفا: «برغم وجود القطع بالكامل داخل المخزن إلا أنى غير مسئول عنها ولا عن ضياع قطع منها، فلقد ألزم القرار الذى أصدره فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، بتاريخ يناير ٢٠١٠ بنقل القطع المختارة بالكامل للمتحف، لكن لجنة المتحف امتنعت عن تنفيذ قرار النقل».
وتعليقا على التمثال العائد من فرنسا فرجح أنه «اختفى أثناء عملية التسليم والتسلم وأنا غير مسئول عنه ولا عن لوحة الزيوت السبعة، حيث إننى أخليت مسئوليتى عندما سلمت القطع للجنة المتحف».
ويتماس تصريح مدير مخازن آثار سقارة مع ما جاء فى المحضرين «١٠» و«١١» من محاضر أعمال اللجنة، المحررين بتاريخى ٩ / ٨ / ٢٠٠٩، و١٦ / ٨ / ٢٠٠٩.
المحضر رقم ١٠ يذكر أن «اللجنة قامت باستلام جميع القطع المذكورة بالمحاضر السابقة بدءًا من المحضر رقم ١ المحرر بتاريخ ٥ / ٧ / ٢٠٠٩ حتى القطع المذكورة فى هذا المحضر لتصبح لجنة المتحف المصرى مسئولة عنها مسئولية كاملة، وذلك لحين استصدار قرارات نقل هذه القطع إلى المتحف المصرى الكبيرة، وبذلك يكون السيد خالد محمد محمود كبير مفتشى المخزن المتحفى رقم ١ بسقارة قد أخلى عهدته عنها تماما».
الأمر نفسه تكرر فى المحضر رقم «١١» المحرر بتاريخ ١٦ / ٨ / ٢٠٠٩، فبعد استعراض أعمال اليوم، يذكر المحضر أن «اللجنة قامت باستلام القطع المذكورة عالية بهذا المحضر، وبذلك تصبح لجنة المتحف المصرى مسئولة عنها مسئولية كاملة وذلك لحين استصدار قرارات نقل هذه القطع إلى المتحف المصرى الكبير، وبذلك يكون السيد خالد محمد محمود كبير مفتشى المخزن المتحفى رقم ١ بسقارة أخلى عهدته عنها تماما».
وتضم لجنة المتحف المصرى -وفقا للمحاضر- كلا من: عيسى زيدان عبدالبديع، أخصائى ترميم، وعبدالعزيز سيد عبدالرشد، أخصائى ترميم، ومحمد أحمد عطوة أثريا بوحدة قاعدة البيانات الأثرية، ومريم كامل بطرس، أثريا بوحدة قاعدة البيانات الأثرية، وإلهامى على موسى، وفاطمة جلال عزت، ونوران حلمى حامد، وأحمد محمد مصطفى، ومحمد جمال صالح، وهاجر محمد حسين، وهند محمد حسين، وهبة خيرى عبدالتواب، وسارة مصطفى عيسى، ورأفت أحمد، سائقا، وأيمن حمدى سائقا.
ما ذكره خالد محمود ردت عليه إدارة شئون الآثار والمعلومات بالمتحف المصرى الكبير، فى خطاب موجه لسعيد شبل، مدير اللجنة المسئولة عن جرد القطع المجنبة للمتحف المصرى الكبير بمخزن سقارة، برقم ١٩٥٥ بتاريخ ١٧ نوفمبر ٢٠١٥، انتهى إلى عبارة: «يرجى التفضل بالعلم بأنه لم يتم استلام هذه القطع للمتحف المصرى، وأن كل الأعمال التى تمت بمخازن سقارة اشتملت على تدقيق البيانات وتصوير القطع لحين استلامها ونقلها». يشار هنا إلى أن اللجنة ضمت عضوا من الجانب اليابانى، وهو يوتاكا نيكو، ما يحول دون استلام أى قطع أثرية، لما ينص عليه قانون الآثار من حظر تسليم أى قطع أثرية للجنة تضم بين أعضائها أجانب.
وقد أجاب سعيد شبل، مدير اللجنة المسئولة عن جرد القطع المجنبة للمتحف المصرى الكبير بمخزن سقارة متحفظاً عندما سألناه عن عمل اللجنة: «سلمت تقارير الجرد للنيابة فى بداية يناير الماضى، ولا أستطيع أن أفصح عن ما جاء بالتقارير لأننى أقسمت على السرية».
إلى ذلك، اعتبر أسامة كرار، المنسق العام للجبهة الشعبية للدفاع عن الآثار، أن منطقة آثار سقارة «بؤرة فساد ووكر لعصابات سرقة الآثار»، إذ أن «معظم آثارنا الموجودة فى الخارج مهربة من منطقة سقارة».
وأضاف «كرار»، لـ«البوابة»، «أن هناك بعثات تعمل بالمنطقة منهما بعثة (آلان زيفي) الفرنسية التى لم تقدم نشرة علمية واحدة منذ ١٨ عاما، فى حين أن قانون الآثار يلزم البعثات بتقديم نشرة علمية بشكل دورى لعرض ما تكتشفه البعثة وخطوات الاكتشاف وينص القانون على أن البعثات التى تتخلف عن تقديم نشرها العلمى ألا يتم تجديد الترخيص لها بالتنقيب، وعلى الرغم من تخلف بعض البعثات عن تقديم النشر العلمى إلا أن اللجنة الدائمة تقوم بتجديد التراخيص بالمخالفة لقانون الآثار».
وأشار إلى أن مسئول مخزن سقارة «١» موجود فى منصبه منذ ١٦ عامًا، مرجحًا تواطؤه مع البعثات، فهو نفسه مشرف إحدى البعثات المصرية و«كيف يتم إسناد بعثة باسمه فى سقارة ويقوم هو بتخزين ما قام باستخراحه؟».