السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مواقف لمثقفين.. ومحاولة لتفسير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان كثيرون من المثقفين، وممن يمكن أن نطلق عليهم نخبة ما قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، قد شبوا ونشأوا، وراحت تتبلور أفكارهم، وتحدد توجهاتهم، قبل قيام هذه الثورة، وعلى نحو يختلف إلى حد ملحوظ، عن التوجهات العامة والاختيارات الأساسية لثورة وعصر ٢٣ يوليو، متأثرين بمناخ وظرف عقود ما قبل قيام الثورة، وكانوا وقتها فى سن الشباب أو أقرب إليه.
وقد كان ذلك المناخ والظرف فى مصر آنذاك، أبعد ما يكون عن فكرة الانتماء إلى أمة عربية واحدة، إلا فيما ندر، وعن فكرة الارتباط العضوى بين التحرر الوطنى فى مصر.. والتحرر الوطنى من الاستعمار الجاثم فى مجمل الوطن العربى، والاستقلال العربى الشامل فى مواجهة التبعية المهيمنة، إلا فيما ندر، وعن فكرة العدل الاجتماعى الجذرى وإزالة الفوارق الطبقية الصارخة، إلا فيما ندر أيضًا مثل المجموعات اليسارية الماركسية أو المتأثرين بها، باستثناء توجهات ونزوع نحو العدالة الاجتماعية لدى بعض التجمعات كجناح «الطليعة الوفدية» داخل حزب الوفد وسواه.
هكذا تبلورت لدى الكثيرين من المثقفين فى ذلك الوقت، أفكار هذا المناخ: أى مصر العهد الملكى، ووطأة الاحتلال والدخول ضمن منطقة نفوذ الاستعمار البريطانى، وحتى ما يحلو للبعض إلى اليوم أن يطلق عليه: مصر الليبرالية.. وفى قول شبه الليبرالية، وفى كل الأحوال فإن مصر الثلاثينيات والأربعينيات، مختلفة كل الاختلاف عن مصر الخمسينيات والستينيات.. وإن كان لنا أن نلاحظ أن مصر ما بعد هذين العهدين، كليهما، قد تراجعت وتدهور حالها، بالقياس والمقارنة معهما: منذ انتصاف السبعينيات الماضية.
المهم هنا، أو اللافت فى موضوعنا.. ملاحظة أن العديدين من (مثقفى ونخب أجيال)، كان قد تحدد وعيهم وتوجههم الأساسى.. ثم دخلوا إلى عصر ٢٣ يوليو، وهم أبعد ما يكونون عن روحه وطبيعته.. ومن ثم، اعتبر بعضهم أو قرر ما يلي: (إن عليه الآن أن يحنى رأسه، ولو مؤقتًا لهذه الثورة أو العاصفة المداهمة!)، فيجارى ويساير، وقد يتصنع أنه غدا جزءًا منها.. صار هناك من يداهن، وهناك من يؤيد وإن انتقد تلميحًا أو رمزًا، على استحياء أو بلطف! وهنالك الذى ظل على مسافة واسعة وأرضية لم يبرحها، بعيدًا عن (العهد الجديد).
علينا هنا أن نستعرض بعض الأسماء.. مثلاً: عباس محمود العقاد.. توفيق الحكيم.. د. حسين فوزى.. د. لويس عوض.. نجيب محفوظ.. عبدالرحمن الشرقاوى.. د. نعمات أحمد فؤاد.. محمد عبدالوهاب، وغيرهم.. طبعًا نحن نذكر هنا بعض الأسماء الأهم والأفضل والأرفع مكانة، ولا ننزل درجة فنذكر اسمًا كالصحفي جلال الدين الحمامصى.. أو ننزل درجة أخرى فنذكر أمثال صالح جودت، وهكذا!!. إن هذا وحده هو ما يفسر المشاركة فى الهجوم السريع، بقدر ما هو واسع لدى مجمل هذه الأسماء ونوعياتها، ودرجاتها، ضد مرحلة ثورة ٢٣ يوليو، بمجرد رحيل قائدها جمال عبدالناصر فى ٢٨/٩/١٩٧٠، وفور أن استشعروا كون العهد الجديد برئاسة السادات على النقيض تمامًا من كل توجهات وعصر عبدالناصر، بل إنه يحاول بوضوح واستماتة، أن يبنى وجوده ووطأته على أنقاض (كل العصر الناصري)!!.
وباستثناء الذين كانوا قد رحلوا (مثل العقاد).. فإن كل هؤلاء وأمثالهم، كشفوا عن مواقفهم الجديدة (أو انكشفت).. وحتى ننصفهم، بالنسبة لعدد من أهم وأفضل النماذج: فإننا نقول إنهم لم يكونوا ينافقون عهد السادات الجديد.. وإنما وجدوا فيه إمكانية للتعبير عن أفكارهم الأصلية، وسعة ومناخًا مواتيًا للترويج لها!!.
على سبيل المثال: بعيدًا عن المنافقين لكل العهود، الذين لا يستحقون إلا الازدراء.. فنحن نعتقد أن نجيب محفوظ كان صادقًا مع نفسه، وهو يؤيد الصلح مع الكيان الصهيونى.. صحيح هو يعتبره عدوًا واستعمارًا، لكن لأنه لا يؤمن أصلًا بالقومية العربية والانتماء العربى، يجد نفسه مكتفيًا بأننا أخذنا عبر (كامب ديفيد) ما يكفى وما يعتد به من سيناء، فقد «حررنا أرضنا» إذن.. وصحيح هو يجد أن على مصر أن تساعد الفلسطينيين من أجل تحررهم، لكن ذلك فى حدود (المساعدة العامة، الإنسانية والدبلوماسية، لكل مظلوم سلب حقه وأرضه)، وبالطبع أيضًا من دون اعتبار فلسطين (قضيتنا العربية المركزية).. لأن قضايانا بالأساس (مصرية).
وهكذا: فإن الحكيم، وحسين فوزى، ولويس عوض.. مثلًا، هم أقرب إلى هذا الموقف.. ومن هنا: فقد أيدوا جميعًا ما سماه نظام وإعلام السادات آنئذ (مبادرة السلام)، بمقالات نشرت، وبتصريحات أكدت وكررت.
على جانب آخر.. فإن «أعلاما» آخرين كانوا عبر عصر عبدالناصر، أكثر اندماجًا وتوحدًا حقيقيًا معه وانتماء إليه.. مثلًا د. طه حسين (صاحب نفس الرؤية الاجتماعية فى «المعذبون فى الأرض»، كما أنه أول من أطلق على حركة ٢٣ يوليو فى أعقاب قيامها تسمية: «الثورة»)، وكذلك أم كلثوم.. بحكم الانتماء الشعبى لكليهما، وطلوعهما من قلب أوسع الطبقات الشعبية البسيطة والكادحة، ومثلًا.. فتحى رضوان أيضًا، بحكم انتمائه إلى فكر وطنى جذرى يرنو دومًا إلى ثورة تقلب أوضاع البلاد رأسًا على عقب، تصحيحًا لكل ظرف بائس يعانيه الشعب، ولا يقبل به ضمير يقظ.. إلخ.
هذه بعض تأملات.. فى موضوع تستحق أبعاده، ونماذجه ورموزه، المزيد من الإمعان والتحليل.