الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

قرى الموت.. من الدار لـ"النار"

العدوى امتدت لتصل إلى الصعيد جنوبًا ومطروح غربًا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتركون منازلهم بالأسابيع وربما بالشهور والسنين من أجل لقمة العيش، يعودون أو لا يعودون، يخرجون في رحلات الهجرة غير الشرعية، وفقد العديد منهم حياتهم، ووصل آخرون إلى دول أوروبية، وجازف كثير منهم في عرض البحر، وتوطنوا في دول مثل ليبيا، رغم قسوة الظروف والمعاملة، نظرا لضيق ذات اليد والجوع والفقر والمرض.
لم تعد الهجرة غير الشرعية مقتصرة على قرى ومراكز عرفت بعينها طوال السنوات الماضية مثل ميت بدر حلاوة ودلبشان بالغربية أو برج مغيزل في كفر الشيخ أو العيون ومركز رشيد بالبحيرة أو قرية تاطون في الفيوم أو أجهور بالقليوبية، بل امتدت في الأشهر الأخيرة لتصل إلى الصعيد جنوبا ومطروح غربا، فضلا عن قرى أخرى بالدلتا، بعد أن أحبطت أجهزة الأمن محاولات عديدة للهجرة على شواطئ كفر الشيخ والسلوم كان آخرها محاولة شارك فيها ١٦ شابا من قرية سندبيس بالقناطر الخيرية، وتم إنقاذهم، وأخرى لـ٣٥ آخرين من أبناء مركز أبنوب والفتح في أسيوط.
فكانت أولى محاولات أبناء قرية سندبيس للهجرة غير الشرعية لتضاف إلى القرى التي تصدر أبناءها إلى دول أوروبا، لتكون بجانب قرية «أجهور الصغرى» المتاخمة لها في الواقع. الأمر الذي دفع أبناء القليوبية إلى التساؤل عن المحطة القادمة التي سيصلها قطار الهجرة.
أبناء سندبيس تركوا قريتهم - كما تؤكد أسرهم - بحثًا عن الثراء الفاحش بعد أن أوهمهم سماسرة الهجرة بأنهم سيجدون ضالتهم في هذه الرحلة، ويهربون من شبح الفقر الذي يطاردهم.
في منزل أحمد فوزى، أحد الشباب المهاجرين، التقينا والدته التي سبقت الدموع كلماتها وهى تسرد قصة نجلها قائلة إنه سافر منذ ١٤ يوما بعد أن أكد لها أن أصدقاءه سيصطحبونه معهم إلى أقاربهم المقيمين في الخارج للبحث عن لقمة العيش.
وأضافت: الظروف اضطرت «حمادة» إلى ترك أشقائه على أمل توفير حياة كريمة لهم، فهو الأخ الأكبر لأشقائه السبعة وعائلهم الوحيد بعد وفاة والده قبل ١٥ عاما.
تركناها متوجهين إلى أسرة محمد رشاد، حيث أكدت والدته أنها لم توافق على سفره إلا أنه أصر خاصة بعد أن فشل في الحصول على شقة أو فرصة عمل دائمة.
أما الواقعة التي كشفتها مباحث دمياط عندما أحبطت محاولة هجرة غير شرعية لـ٣٥ شابا من أسيوط كانوا متجهين إلى إيطاليا عبر شاطئ رأس البر بمساعدة سمسار من مركز أبنوب وآخر من قرية السنانية دمياط، وصياد من برج مغيزل بكفر الشيخ مقابل مبلغ ٤٧ ألف جنيه دفعها كل منهم.
في الصعيد قريبا
هذه الواقعة أكدت أن الهجرة غير الشرعية امتدت إلى محافظات الصعيد، خاصة أنها تعد المحاولة الأولى لأبناء محافظة أسيوط، لخوض تلك المغامرة.
في الوقت الذي تشهد فيه ثباتًا كبيرًا في البحيرة حيث ما زال حلما الهجرة والثراء يسيطران على أذهان أبناء مراكز رشيد وقرى الدلنجات والعيون.
إلا أن مباحث البحيرة نجحت خلال الأسابيع الماضية في إحباط ٤ محاولات للهجرة غير الشرعية اشترك فيها ١٥٨ شابا، حيث تم ضبط ١٥ سمسارا كانوا يحصلون على مبالغ تصل إلى ٦٠ ألف جنيه من الشباب لتسفيرهم إلى دول أوروبا في مراكب صغيرة تبحر من منطقة بوغاز رشيد.
ومع زيادة البطالة بين أبناء محافظة كفر الشيخ التي يمتد ساحلها بطول ١١٨ كيلو على البحر المتوسط تزايدت محاولات الهجرة ولم تعد تقتصر على قرية برج مغيزل، بل امتدت إلى قرى الخريجين وبر بحرى والسكرى وأبو خشبة والبرلس ومطوبس.
الغريب أن الرغبة الشديدة في الثراء التي تسيطر على راغبى الهجرة غير الشرعية باتت لا تراود الفقراء الذين يستدينون في سبيلها فقط، لكن تعدتهم للشباب ميسورى الحال، وهذا ما كشفه الحادث الذي راح ضحيته ٩ شبان من المحافظات المختلفة، حيث كان من بين الضحايا شاب من الشرقية يعد والده من كبار رجال الأعمال بالمحافظة، ويمتلك مولًا تجاريًا كبيرًا.
أما إحصائيات مديرية أمن كفر الشيخ فتؤكد أن عدد محاولات الهجرة التي تم إحباطها خلال الأعوام الثلاثة السابقة وصلت إلى ١١٨ محاولة كان من بين المشاركين فيها شباب من أبناء محافظتى سوهاج والمنيا.
وعن برج مغيزل لا تجد قرية من قرى مصر يذكر اسمها ويتداول في وسائل الإعلام المصرية والعربية، أكثر من قرية برج مغيزل التابعة لمركز مطوبس بكفر الشيخ التي يصل عدد سكانها إلى قرابة الـ٣٠ ألف نسمة، ولم تكن شهرة القرية سوى لسببين، إما لوقوع أصحاب المراكب فيها في قبضة سلطات خفر السواحل بليبيا أو تونس، كعرض مستمر لاختراق المياه الإقليمية لهاتين الدولتين على مدى السنوات العشر الماضية، لعشرات المرات، والسبب الثانى كونها مكانا مثاليا ونقطة التقاء لراغبى الهجرة غير الشرعية من محافظات مصر المختلفة أو من الدول العربية والأفريقية التي يحدث فيها قلاقل وحروب، ويغامر مواطنوها بالسفر في رحلات الموت عبر الهجرة غير الشرعية.
قرية الأحزان
هذه القرية يطلق عليها أهلها، قرية الأحزان بينما يطلق عليها المسئولون قرية المشاكل التي لا تنتهى دائما، ما يرتبط اسمها في الصحف والفضائيات بالمآسى والفواجع وأحيانا الكوارث.
لا يكاد يمر شهر أو أكثر حتى تسمع عن نبأ القبض على عدد من صياديها في إحدى الدول القريبة من ليبيا وتونس والسعودية واليمن، فضلًا عن احتجاز مراكبهم، أو القبض على راغبى الهجرة غير الشرعية قبالة شواطئها أو بالقرب منها.
رحلات الموت وسفريات العذاب متكررة ووقائع القبض على الصيادين واحتجاز مراكب الصيد التي يعملون عليها مستمرة، ولم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، يسلم الأجداد الآباء والأحفاد راية مهنة العذاب، يفقد أحدهم حياتهم، وربما يصاب بعاهة أو يسجن ويعذب، لكن ليس مهما، المهم لقمة العيش وإطعام الأسرة والصغار كم يقولون.
نحت الحزن والمرارة وجوههم، وأصبحوا والصبر وجهين لعملة واحدة، يحسبهم الجميع أغنياء من التعفف، لكن ليسوا ذلك، فمعظمهم من الفقراء والبسطاء والقليل منهم أغنياء.
يتركون منازلهم بالأسابيع وربما بالشهور والسنين من أجل لقمة العيش، وربما يعودون أو لا يعودون، يخرجون إما في رحلات الهجرة غير الشرعية، وفقد العديد منهم حياتهم، ووصل آخرون إلى دول أوروبية، وجازف كثير منهم في عرض البحر وتوطنوا في دول مثل ليبيا، رغم قسوة الظروف والمعاملة، نظرا لضيق ذات اليد والجوع والفقر والمرض.
عدد سكان القرية كم ذكرنا، يفوق الـ٣٠ ألف نسمة، يعمل أغلبهم في قطاع الصيد وبناء السفن، وتعانى القرية من افتقار بعض الخدمات بها، كما تنتشر بها أمراض الكبد كعادة شعب محافظة كفر الشيخ.
وبالرغم من الموقع الجغرافى المميز للقرية والمطل على البحر المتوسط والقريب من نهر النيل برشيد وبالرغم من إمكانات أهالي القرية وخبرتهم العالية في مجال الصيد وصناعة السفن، إلا أن القرية تعانى انتشار البطالة، وتعانى فقدان عشرات من شبابها في رحلات الهجرة غير الشرعية.
ويجازف صيادو القرية من البسطاء والفقراء بحياتهم في الإبحار لمناطق خارج المياه الإقليمية المصرية ودائما ما يتعرضون للقبض عليهم واحتجاز مراكبهم في بعض الدول وعلى رأسها دولة ليبيا ثم تونس واليمن الصومال، فيما تسمح دول أخرى لهم بالصيد بالقرب من مياهها الإقليمية مثل مالطا.
يقول أحمد نصار نقيب الصيادين: إن واقعة احتجاز الصيادين المصريين وأبناء برج مغيزل بليبيا وغيرها من الدول لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فلقد سبقتها عشرات الوقائع والاحتجازات على مدى الـ٥ سنوات الماضية وحتى الآن والتي تصل إلى احتجاز نحو ٢٥٠ مركبا وأكثر من ٨٠٠٠ صياد.
والغريب أن أزمة برج مغيزل استمرت في العهود الأربعة الأخيرة بداية من الرئيس المخلوع ومرورا بالرئيس المعزول ووصولا للرئيس المؤقت وانتهاء بالرئيس السيسى، ويبدو أنها ستستمر كثيرا حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية داخل مصر أو تتلاشى أسباب مجازفة الصيادين من برج مغيزل بمراكبهم بل وبحياتهم وسلامتهم الشخصية التي سنحاول معرفة هذه الأسباب التي تدفع هؤلاء الصيادين البسطاء إلى السفر والصيد خارج المياه المصرية، مما يضطر سلطات دول مثل ليبيا وتونس والصومال إلى احتجاز مراكبهم والقبض على الصيادين وحبسهم وتعذيبهم في بعض الأحيان، وفرض غرامات باهظة ومصادرة سفن يصل ثمنها لملايين. ويضيف نصار: اشتهرت القرية بصناعة السفن واليخوت الفاخرة التي يتم تصديرها إلى الدول العربية، ويوجد بها نحو ٣٠ ورشة متخصصة في هذا الشأن، لكن منذ فترة بدأ الإقبال يقل على اليخوت والسفن لقيام الدول العربية باستيرادها من فرنسا وإسبانيا والصين وتركيا.
وعن أسباب سفر الصيادين سواء في رحلات هجرة غير شرعية «رحلات الموت» أو للصيد خارج المياه الإقليمية المصرية، يقول نصار يرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها أن مهنة الصيد هي المهنة الوحيدة لمعظم السكان، فضلا عن قلة الاسماك بالمياه المصرية، نتيجة الصيد المكثف والعشوائى من قبل كل الصيادين والعائد داخل مصر ضعيف. ويؤكد نصار أن سبب قيام المهربين من المحافظات الأخرى، بالقيام بعمليات التهريب قبالة شواطئ برج مغيزل، كونها تتعامد مع دولة إيطاليا مباشرة، وتعد أقرب نقطة للوصول إليها من مصر، حيث لا يفصلها عنها سوى ٤ أيام فقط، لكنها أيام تكون بمثابة الحجيم، لأنه ربما يصل راغبو الهجرة غير الشرعية أو لا يصلون.
ويضيف نصار أن بعض الشباب تنظر للمستوى المادى لبعض الشباب الذين سبقوهم في الوصول للدول الأوروبية، ويريدون الثراء السريع، غير عابئين بخطورة مثل هذ الرحلات.
وللعمل على انتهاء ظاهرة «الهجرة غير الشرعية» أو الصيد خارج المياه الإقليمية يقول نقيب الصيادين: لا بد من حل ٣ مشاكل، وهى قطاع الثروة السمكية من حيث دعمه للصيادين بشكل حقيقى، فالهيئة لا يهمها إلا جمع الرسوم من الصيادين، أيضا لا بد من عمل محمية طبيعية تتكاثر فيها الاسماك البحرية على مدى العام، كما يجب تفعيل قرار وقف الصيد لمدة شهرين من ١٥ يونيو وحتى ١٥ أغسطس بشكل حقيقى وفعال حتى لا يتم إهدار الزريعة في الصيد المخالف لها خلال فترة التكاثر للاسماك مع وقف شباك الصيد المخالفة وتعويض الصيادين خلال هذه الفترة بصرف ١٠٠٠ جنيه لكل صياد يحمل بطاقة صيد عن طريق فرض غرامات على شركات البترول التي تقوم بعمل عشرات البريمات في عرض البحر وتلوث البيئة وتقتل الاسماك فتلتزم بدفع مليون جنيه عن كل بريمة سنويا وهو مبلغ هزيل بالنسبة لأرباحها.
ويؤكد نصار أن قرار وقف الصيد لمدة شهرين سيوفر على الدولة ٢ مليار جنيه قيمة السولار المستهلك وقدره مليون و٢٠٠ ألف طن سنويا.
كم يطالب الصيادون الدولة بدعم الصيد مهنيا وتقنيا وصحيا، لأن قطاع الصيد يوفر نحو ٣٠٪ من البروتين لمصر، فضلا عن العملة الصعبة.
ويختم نصار الحديث قائلا إن إجمالي الخسائر البشرية خلال الـ٥ سنوات ٨ حالات قتل للصيادين بتونس، و٣٥ بليبيا، و١٤٠ حالة عجز وعاهات.
رحلات الموت
عن رحلات الموت سواء كانت هجرة غير شرعية أو صيد في مياه إقليمية، يقول محمد البرسيقى، أحد الصيادين «الناجين» من إحدى هذه الرحلات، إنه والمئات من الصيادين كانوا يعملون منذ عدة سنوات بمهنة الصيد على مراكب صيد ليبية بعقود رسميه للعمل بميناء مصراتة، وفوجئوا بالصواريخ تنطلق من الطائرات من الجيش الليبى ضد جماعة فجر ليبيا التي كانت ترد بالأعيرة النارية، وشاهدنا بأعيننا تدمير وحرق ميناء الحديد والصلب المجاور لميناء الصيد الذي نعمل به، كما شاهدنا الميناء التجارى أثناء تدميره، وكنا نجلس بقاع المراكب هربا من تلك النيران وتأكدنا أننا هالكون.
ويطالب الصيادون المسئولون بإيجاد حل يريح كل الصيادين وأولادهم، ويكون للصيادين قيمة ومكانة، إضافة إلى منحهم حقوقهم المهدرة بتأمين صحى، ويكون لهم معاش مثلهم مثل بقية الفئات. ويقول محمد زكى، صياد من القرية، إن أهالي القرية لا يجدون عملا مناسبا لهم، فيضطرون إلى سلوك إما طريق الهجرة غير الشرعية وإما ركوب السفن في أعالى البحر وتعرضهم أيضا فيها للمخاطر أو اللجوء إلى طريق «العمل في التهريب» سواء سولارا أو مخدرات أو سلاحا «وهؤلاء قلة بسيطة ومعروفون للجميع».
ويضيف زكى، أن كثيرا من شباب القرية فقد في رحلات هجرة عير شرعية، كما أنه يوجد مئات من الصيادين من القرية يعملون بليبيا تحت ضغوط وجبروت أصحاب المراكب، ومن يرفض العمل في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية يتم تسليمه للميليشيات الليبية والتي تقوم بسجنهم وتعذيبهم بحجة عمالتهم لميليشيات متنافسة.
ويوضح زكى أنه لو كانت توجد فرصة عمل في مصر أو نصف فرصة، ما تعرضنا لما نتعرض له، فليس جميع صيادى القرية مهربين أو مافيا للهجرة غير الشرعية. ويقول غالى شحاتة، صياد من القرية، إنه لا يمر عام حتى تحدث كارثة أو مصيبة في القرية، مضيفا أن الصيادين الغارقين أو المفقودين ظروفهم صعبة وقاسية.
ويطالب شحاتة الحكومة بعمل صندوق «كوارث» لإغاثة أسر الصيادين في مثل هذه الحالات، بدلًا من تركهم بلا مورد، حيث يتم استقطاع مبالغ منهم لمزاولة الرخصة. وينبه شحاتة أن القرية تعانى من مشاكل القرى الأخرى «صرف صحى- قمامة- نقص الخدمات».