الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأولتراس.. "الخنجر المسموم" في ظهر الكرة المصرية

رائحة الدم تطارد الجميع

الأولتراس
الأولتراس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كرة القدم لها «دراويشها» من مشجعى الأندية في كل أنحاء العالم، فهى اللعبة الشعبية الأولى في المعمورة، وعلى مدى التاريخ ظهر العديد من الروابط التشجيعية التي كانت تميل إلى العنف أحيانًا، بل وارتبط ظهورها به، وفى السنوات الماضية تحولت كلمة «الأولتراس» في الصورة الذهنية للقطاع الأغلب من المصريين، إلى جماعة عنف لا سيما أنه منذ تأسيس أول رابطة من هذا النوع في مصر «أولتراس أهلاوى» بدأت المشاكل والأزمات والعنف خاصة مع الأمن، أو مع روابط الأولتراس التي تشجع أندية أخرى.

في مصر هناك من يناصر الأهلي وقسم آخر يشجع الزمالك وهما أكبر «حزبين كرويين» في البلد، بخلاف بعض الجماهير للاتحاد في الإسكندرية والإسماعيلى في الإسماعيلية، والمصرى في بورسعيد، والغزل والبلدية في المحلة الكبرى، وقديمًا كان هناك محبون للترسانة في القاهرة، وما زالوا رغم قلتهم، ورغم هذا التنوع، لم تكن تقع أحداث كتلك التي نعاصرها في الوقت الراهن، ولم يكن الشغب الجماهيرى يتخطى كلمات في المدرجات مثل «شيل الرف»، والمقصود هنا هو الحكم، وقد كان هذا هو أقصى ما يمكن أن تجده من الجمهور الحقيقى للكرة الذي كان يدرك معنى التنافسية في الرياضة.
بمجرد ظهور روابط الأولتراس تغير الوضع بشكل مخيف، وأصبح كل لقاء هو أزمة سواء للهتافات المسيئة التي «ترج» الملاعب، وتدخل كل بيت فتنتهك حرمته أو ليتطور الأمر فيما بعد إلى اشتباكات وتجاوزات، انتهت بمجزرتين الأولى في بورسعيد وراح ضحيتها أفراد من أولتراس أهلاوى والثانية في ملعب الدفاع الجوى، وشهدت سقوط ٢٠ مشجعًا للزمالك من رابطة «وايت نايتس».
رغم أن الجميع يعترف بأن ظهور هذه الروابط في البداية، كان إيجابيًا و«حرك المياه» الراكدة بالملاعب المصرية، نظرا لحيوية الشباب و«الدخلات» الرائعة التي كانوا يقومون بها، ولكن سرعان ما تحول الأمر إلى نقمة نظرا للتجاوزات المستمرة من جانبهم.
في هذا الملف سنلقى الضوء على هذه الظاهرة نشأة وتطورًا، وما المصير الذي ينتظرها بعد دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لهم بالحوار لاحتوائهم بعد هجومهم على قيادات القوات المسلحة في إحياء الذكرى الرابعة لمجزرة بورسعيد داخل ملعب التتش قبل أيام.
التاريخ الأسود لروابط الأولتراس في مصر
في أحد أيام شهر فبراير عام ٢٠٠٧ بدأت فكرة تأسيس أول رابطة أولتراس في مصر، تراود عددًا من الشباب المشجعين للأهلي، وذلك بعد أن لاقت رواجا كبيرا في عدد من الدول الأوروبية، وبالفعل تم تصميم أول «بانر» لأولتراس أهلاوى في ٢٤ مارس ٢٠٠٧.
وفى مباراة الأهلي وإنبى بالدوري يوم ١٣ إبريل، ظهرت الرابطة إلى النور وكانت البداية معبرة عما سارت عليه الأمور فيما بعد، حيث نشبت مشادة بينهم وبين الأمن الرافض لدخول «البانر» أرض الملعب، ولكن بعد مفاوضات تم إدخاله.
بعد ذلك توالت الأحداث التي يعرفها الجميع، حين قام أعضاء من رابطة الأولتراس «بحرق» مشجع للزمالك قبل بداية مباراة كرة سلة بين القطبين وهو ما أصاب هذا المشجع بإصابات بالغة، وأصاب الوسط الكروى بحالة قلق من تطور الأمور على هذا النحو، حيث كان ذلك بمثابة جرس إنذار مبكر لم ينتبه إليه أحد، ومن ثم كان طبيعيًا أن تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن، فبعد أيام من هذه الواقعة قام أعضاء من «الوايت نايتس» بإصابة مشجع من أولتراس أهلاوى بـ«شمروخ» ليفقد عينه، ولم يحرك أحد ساكنًا في انتظار ما هو أسوأ والذي لم يتأخر كثيرًا.
بعد أسابيع قام أعضاء رابطة الوايت نايتس باقتحام مقر الأهلي بالجزيرة وقاموا بتحطيم الواجهة، وأثاروا الفزع بين الأعضاء، وذلك على هامش مباراة للقطبين في كرة اليد كانت مقامة بالجزيرة وقتها.
عقب ثورة ٢٥ يناير كان للأحداث جانب آخر أكثر عنفًا، فبمجرد انتهاء مباراة الأهلي وكيما أسوان في كأس مصر، وقعت اشتباكات عنيفة مع رجال الأمن، تبعها قيام الأولتراس بأعمال شغب خارج الاستاد، وتم تحطيم عدد من السيارات لأفراد لا ذنب لهم سوى أن قدرهم قادهم للتواجد في هذا المكان.
ومن منا لا يتذكر مشهد الفوضى الذي وقع من جمهور الزمالك في الدقائق الأخيرة لمباراة الإفريقى التونسى قاريًا، حين وقعت «موقعة الجلابية» الأشهر وكلها كانت بمثابة إرهاصات لقادم أسوأ توقعه كثيرون، ولكن للأسف لم يستطع أحد الوقوف في وجهه لمنعه فوقعت مجزرة بورسعيد.
ففى الأول من فبراير عام ٢٠١٢ وعقب مباراة الأهلي والمصرى ببورسعيد وقعت واحدة من أسوأ المجازر في تاريخ الكرة العالمية، حين فقد ٧٤ مشجعًا للأحمر حياتهم ثمنًا لهذه الحالة من الفوضى والعنف التي باتت مصاحبة لجميع المباريات منذ ظهور هذه الجماعات، ويبقى مشهد أهالي الضحايا هو الأكثر إيلامًا للنفس.
ولأننا لا نتعلم من أخطائنا، فقد تكرر المشهد وبنفس التفاصيل في أحداث ملعب الدفاع الجوى، حين مات ٢٠ مشجعًا للزمالك على أبواب الاستاد لتعود رائحة الدم من جديد تطارد الكرة المصرية.
بين التشجيع والسياسة
الأولتراس نقطة تحول في تاريخ التشجيع والسياسة في مصر منذ إنشائها في ٢٠٠٧، تحدث الجميع عنهم، وعن قدرتهم الفائقة على الحشد والابتكار والتنظيم، حتى أصبحوا هدفًا سياسيًا سعى إليه رجال السلطة في مصر بمختلف طوائفها بداية من الحزب الوطنى المنحل، مرورًا بجماعة الإخوان الإرهابية عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
ويعلم الجميع تفاصيل العلاقة السابقة التي كانت تجمع بين روابط الأولتراس في مصر والحزب الوطنى المنحل، وكذلك بعض قيادات وزارة الداخلية السابقين، حيث كانت تجمعهم علاقات قوية، واستطاعوا خلالها استغلال الأولتراس في العديد المناسبات والمحافل الرياضية التي تخدم مصالحهم، وكذلك حمايتهم في حالة تعرضهم لأى ملاحقة، حال خروجهم على النص، وخصوصًا علاقتهم مع أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطنى المنحل، الذي كان وراء سفرهم المستمر خلال مباريات المنتخب أو الأندية، وقيامه بإرسال قيادات الأولتراس لمساندة الفراعنة في بطولة الأمم الأفريقية ٢٠١٠ في أنجولا، لدرجة أن بعض المشجعين سافروا على نفس طائرة جمال مبارك نجل الرئيس الأسبق وأمين لجنة السياسات بالحزب المنحل.
لجأ رجال الحزب الوطنى المنحل إلى الأولتراس في العديد من المواقف وبالأخص أثناء الأحداث التي نشبت بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم، وتم تمويلهم من أجل أغراض معينة، لدرجة أن بعض القيادات من الأولتراس كانت على اتصال مباشر برجال أعمال كبار من الحزب الوطنى لطلب أموال.
عقب ثورة ٢٥ يناير انتقل شباب الأولتراس إلى مرحلة جديدة من حياتهم لأنهم في هذه الفترة الأكثر ترتيبًا وتنظيمًا بين الآخرين، ليس سهلًا أن تخترق صفوفهم أو تحضر أحد اجتماعاتهم، حيث إن قاعدتهم الأولى هي أنهم «آنتى ميديا»، أي «ضد الإعلام ويعرفون أهدافهم جيدا».
بدأ الربط بين الأولتراس والإخوان في ميدان التحرير، عندما أذاعت العديد من الشخصيات الرياضية الشهيرة أن «أولتراس أهلاوى» تحديدا على علاقة برجل الأعمال والقيادى الإخوانى خيرت الشاطر، ومن خلال ابنه «سعد»، الذي انضم للجماعة كمشجع للنادي الأهلي، ثم أصبح همزة الوصل بين الأولتراس وتمويل الإخوان للمساهمة في أعمال الشغب.
ليتم احتساب الأولتراس وتحديدا أهلاوى على الإخوان في ظل مساندة مالية لقيادة الروابط، والذين تم اتهامهم بصورة مباشرة أنهم يتعاونون مع قيادات الإخوان، لإحداث فوضى في البلاد في الآونة الأخيرة، حيث لم يجرؤ أحد على محاسبة الأولتراس أثناء حكم الإخوان، وكانوا دولة داخل الدولة يفعلون ما يشاءون، وبعد زوال حكم الجماعة الإرهابية ظل الأولتراس على نفس قوتهم وتنظيمهم، ولكن هذه المرة من أين يستمد هذا التنظيم قوته لدرجة جعلت الرئيس عبدالفتاح السيسى يتدخل لاحتواء أزمة الأولتراس وأن تتولى رئاسة الجمهورية هذا الملف الشائك بعد التقارير التي وصلت إليها عن خطورة توغل دولة الأولتراس.
علاقة مميزة بنجوم الكرة
يعد البرتغالى مانويل جوزيه المدير الفنى الأسبق للأهلي واحدًا من أشهر الرياضيين الذين ارتبطوا بعلاقة خاصة مع روابط الأولتراس في مصر منذ ظهورها، حيث حرص الرجل على توطيد علاقته بـ«الكابوهات» وذلك في مشهد برره كثيرون بذكاء المدرب لضمان الحصول على دعمهم، رغم أنه لم يكن في حاجة إلى ذلك، خاصة أن نتائجه الجيدة والبطولات والأرقام القياسية التي حققها في هذه الفترة كانت كفيلة بأن تضعه في مكانة مميزة.
بنفس الطريقة كان لمحمد أبوتريكة النجم المعتزل في الأهلي، مكانة خاصة لدى قيادات الرابطة، حيث ارتبط معهم بعلاقة وطيدة، لدرجة أنه رفض خوض مباراة إنبى في كأس السوبر المحلية الأشهر، تضامنا مع الرابطة التي كانت رافضة إقامة المباراة قبل القصاص من جناة مجزرة بورسعيد، ودفع أبوتريكة الثمن غاليًا وقتها، حيث تم تغريمه ٥٠٠ ألف جنيه وإيقافه عن المشاركة في المباريات لمدة شهرين، وهى واحدة من أقسى العقوبات التي تم تطبيقها على لاعب في تاريخ النادي.
أما شادى محمد فكان يتم اتهامه من جانب زملائه بالفريق، على أنه يتقرب من الرابطة لاستخدامهم في الهجوم على أي فرد داخل الأهلي، حيث كانت العلاقة وقتها متوترة بينه وبين عصام الحضرى كابتن الفريق السابق الذي تم تجريده من شارة القيادة، ومنحها لشادى قبل هروب الحارس التاريخى للأحمر إلى سيون السويسرى.
وفى الزمالك لا يختلف الموقف كثيرًا، فيعد عمر جابر هو أكثر اللاعبين ارتباطًا بالوايت نايتس، خاصة بعد موقفه الشهير حين رفض اللعب أمام إنبى بعد ساعات من وقوع مجزرة «الدفاع الجوى»، وهو ما وضعه في موقف صعب، ليس فقط أمام إدارة النادي، ولكن أيضا أمام اللاعبين الذين اتهموه بالبحث عن بطولة على حسابهم وإحراجهم أمام الرأى العام.
على النقيض تمامًا، فيكاد يكون حسام البدرى المدير الفنى الأسبق للأهلي واحدا من أكثر من دفع الثمن، لعدم وجود علاقة جيدة مع قيادات الأولتراس، حيث تم الضغط عليه في المدرجات، وتم رفع لافتات تطالب إدارة الأهلي بقيادة حسن حمدى وقتها بإقالته من منصبه، نظرا لتراجع النتائج والأداء إلى أن رضخ الرجل في نهاية المطاف، وتقدم باستقالته بعد الخسارة المذلة أمام الإسماعيلى برباعية، وكان الرجل يؤكد دائما أنه رفض الاستماع لنصيحة جوزيه في التقرب إلى هذه المجموعة، إيمانًا منه بأن العمل داخل الملعب وحده هو سلاحه للنجاح، وليس مثل هذه الأساليب التي رفض اتباعها.
المنتخب الوطنى الخاسر الأكبر
دفع المنتخب الوطنى الثمن غاليًا لتصرفات روابط الأولتراس، التي تسببت في إلغاء مسابقة الدوري مرتين في السنوات الماضية، حيث كان من شأن ذلك أن يدمر الكرة المصرية، وهو ما حدث بالفعل، ففشل الفراعنة في التأهل لنهائيات كأس الأمم الأفريقية ٣ مرات متتالية، بعد أن كان ملء السمع والأبصار في أحراش القارة، بعدما نجح في احتكار اللقب القارى الثمين منذ عام ٢٠٠٦ وحتى ٢٠١٠ تحت قيادة «المعلم» حسن شحاتة.
فطبيعى أن أي منتخب يعتمد بشكل أساسى على الدوري المحلى في تكوين القوام الأساسى له، أن يتأثر سلبًا بإلغاء المسابقة في غياب العناصر المحترفة القادرة على صناعة الفارق، فجاءت الإخفاقات متتالية بهذه الطريقة المأساوية، ولم يعد الأمر مقتصرا فقط على الفشل في التأهل لنهائيات كأس العالم منذ عام ١٩٩٠ ولكن امتد أيضا «للكاف» لدرجة أن الوصول إلى نهائيات أمم أفريقيا أصبح بمثابة الحلم للمصريين.
وفى غانا جاءت الضربة قاصمة حين خسرنا ٦ ـ ١ في الجولة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم، ولم يتوقف الأمر عند حدود المنتخب الأول، ولكن امتد لباقى الأعمار السنية، حيث لم ينجح أي من منتخبات الناشئين والشباب في التأهل لكأس الأمم الأفريقية، وكان الاستثناء الوحيد هو منتخب ربيع ياسين الذي فاز بالبطولة في الجزائر في إنجاز كبير. الأهلي أيضا كان استثناء، حين فاز ببطولتى دوري الأبطال عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣ وكذلك بالكونفدرالية في ٢٠١٤.
روابط الجماهير العالمية
«الهوليجانز».. انتشر هذا المصطلح على الساحة الكروية، خلال المرحلة الماضية، لكن الكثير لا يعلم من أين أتى، وماذا يعني؟، ولمن لا يعرف فـ«الهوليجانز» مجموعة أو رابطة تدعم فريقا ضد الآخر أو تتخذ موقف المعارضة السياسية، وبدأت فكرة هذه المجموعات بالأرجنتين في خمسينيات القرن الماضى، وتظهر تلك الروابط قوتها خلال مسيرتها إلى الملعب قبل المباريات، حيث تتجمع في مكان محدد قبل انطلاق المباراة، وتذهب إلى الملعب في مجموعة واحدة في مشهد مثير للغاية، وتعد الشرطة هي العدو الأول لها، وعادة ما يسقط ضحايا ومصابون من جانب الطرفين، بسبب الاشتباكات بينهما خلال المباريات.
وتحرص تلك المجموعات على الذهاب إلى الملعب وهم سكارى رغبة منهم في الانفصال عن العالم الواقعي، لتشجيع فرقهم مع الحماس الزائد مما يؤدى إلى المزيد من الكوارث بسبب عدم إدراكهم لما يفعلون. 
واستطاعت المرأة الحديدية في إنجلترا مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، القضاء على هذه الظاهرة في بلادها، خاصة في مباريات القمة بالدوري الإنجليزى التي تجمع بين مانشستر يونايتد وليفربول وإيفرتون وتوتنهام وأرسنال، وفرضت مارجريت عقوبات صارمة بالسجن على كل من ينضم لروابط «الهوليجانز» ومثيرى الشغب، ونجحت في ذلك بامتياز لتصبح الملاعب الإنجليزية سمتها الهدوء والنظام والمتعة والروح الرياضية. وكانت كارثتا هيسل التي سقط على أثرها ٣٩ مشجعًا في ٢٩ مايو ١٩٨٥، قبل ساعة من انطلاق المباراة النهائية لكأس الأندية الأوروبية البطلة بين ليفربول ويوفنتوس، وهيلزبره ١٩٨٩، التي راح ضحيتها ٩٦ شخصًا، قبل لقاء بين ليفربول ونوتنجهام في نصف نهائى كأس إنجلترا، بمثابة الشوكة التي قصمت ظهر البعير، وكتبت نهاية عصر «الهوليجانز» في بلاد الأسود الثلاثة.