الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السوبرانو التي تمايلت معها طربًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فراشة ملونة تشع بالفرح والأمل. روح مصرية خالصة تحتضن العالم بين زراعيها، وتمسك النجوم بأصابعها وتجعل الدنيا تتمايل طربا عندما تغنى. هى السوبرانو «مغنية الأوبرا» المصرية «فاطمة أحمد سعيد». لم أصل بخيالى يومًا أننى سوف أستمع والعالم كله لغناء أوبرالى بنكهة مصرية خالصة، فى الأداء والحركة والأناقة، وعبير مصر الذى يفوح حولها، وهى تتمايل مع موسيقى «موتسارت». هى السوبرانو –وهنا تكمن المفارقة المذهلة- المعجونة بطين الأرض المصرية وعبق الحسين والأزهر وماء نهر النيل الخالد.
السوبرانو المصرية أهدت ألينا فوزها بثلاث جوائز فى مسابقة «فيرونيكا دن». تقام المسابقة فى العاصمة الأيرلندية دبلن. شارك فيها متسابقون من ١٨٠ دولة. وفازت فاطمة بثلاث جوائز، الجائزة الأولى فازت بأعلى الأصوات من الجمهور، والثانية جائزة لجنة التحكيم والثالثة جائزة أفضل أداء. منحها جمهور الأوبرا أصواته. الجمهور الذى يعرف هذا الفن ويمتلك أدوات فهمه والاستماع والاستمتاع به، ويقدره وهو القادر على تقييم فنانى هذا الفن الراقى، وهو جمهور ليس عاديا، وأستطيع أن أتصور حالة المتعة والنشوة والسمو التى عاشها الجمهور معها ومع صوتها لذا منحها أصواته، أو إن أردنا الدقة محبته وشكره الخالص لها فقد كانت قطعة من الفن النابعة من روح مصرية دافئة. منحتها لجنة التحكيم أصواتها وفق معايير محددة ولجنة التحكيم هى من يراقب ويتابع ويطبق هذه المعايير الفنية العلمية بحزم ودقة العلماء فى مجالهم فجاءت أصواتهم لها. وحصلت على جائزة أفضل أداء. لن أتجاوز إن قلت إنه بالفعل أفضل أداء رغم أننى لم أشاهد غيرها ولست من متابعى فن الأوبرا لكننى فتنت بطلتها على المسرح وأناقتها وأدائها الصادق الذى تمايلت أنا معه طربا. منذ زمن بعيد لم أر أداء على خشبة المسرح بهذا الجمال والروعة. حركة يديها. صوتها.وقفاتها. توحدها مع الموسيقى من عمق القلب وبصوت مدرب ومثقف أيضا. عشت معها حالة وجدانية وفنية أخذتنى إلى عالم من الرقى والجمال فترى ماذا فعلت مع وفى متابعى فن الأوبرا والفاهمين لهذا الفن ومفرداته، فهو فن خاص استطاعت السوبرانو «فاطمة أحمد سعيد» فى دقائق معدودة أن تنقله لمن شاهد الغناء على شاشات التليفزيون رغم لغته الخاصة. 
لم تحصل سوبرانو قبل فاطمة على الثلاث جوائز دفعة واحدة، فهى أول سوبرانو فى العالم تحصل على الثلاث جوائز. وهى أول مصرية تلتحق بأكاديمية «لاسكالا دى ميلانو» بإيطاليا، وهى أشهر دار أوبرا فى العالم.بحثت عن معلومات غير تلك التى تناقلتها الصحف عن فاطمة أحمد سعيد فلم أجد الكثير. هى فتاة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما تعلمت فى المدارس الألمانية. تلقت رعاية من أسرتها وتشجيعا وإيمانا بموهبتها وتدربت تحت إشراف السوبرانو العالمية د نيفين علوبة وتابعت دراستها فى ألمانيا.
ورغم حالة الجمال والنشوة التى أؤكد أننى عشتها فى الدقائق المعدودة التى استمعت فيها لغناء «فاطمة» تلك الحالة التى كما سبق أن ذكرت جعلتنى أتمايل معها طربا إلا أنها وضعتنى أمام سؤال موجع هو ماذا حدث للمصريين، ماذا حدث فى بلد تأسست فيه أكاديمية للفنون فى وقت مبكر تحديدا فى عام ١٩٥٩ فى عهد وزير الثقافة العظيم د ثروت عكاشة، تأسست أكاديمية الفنون التى ضمت معاهد الكونسيرفتوار والسينما والمسرح والباليه وتأسست مع بدايات المشروع الناصرى الكبير فى ذلك الوقت، وهى ضمن مشروع تنموى أدرك القائمون عليه أنه لن يكتمل بدون الفنون الراقية.
ماذا حدث فى بلد يعجز المرء عن عد قاماته الفنية والإبداعية، ومع ذلك ورغم وجود شابة مثل فاطمة إلا أن المشهد العام- والغالب بين الشباب- يترك فى النفوس إحساسا بالغصة والألم والخوف؟. ماذا حدث حتى نواصل الغوص فى آبار اليأس بأخبار الأولتراس والإرهاب، وشباب لم يغادر سن الطفولة بعد يفجر نفسه تقربا إلى الله؟.
ماذا حدث ولماذا تخيم السحب وتوشك أن تغطى على فرحة تملأ القلب بشابة مصرية أضاءت الدنيا نورا وملأت قلوبنا سعادة؟ وأيا كان الواقع فسوف نتمسك بالفرح الذى أهدته لنا فاطمة أحمد سعيد.