الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

‫"البوابة نيوز" ترصد أبرز قضايا الترميمات الخاطئة بالآثار المصرية بدءًا من قناع الملك توت عنخ أمون لتمثال الكرنك ذي العامود الخرساني.. المعارك بين الأثريين فجرت قضايا الترميمات الخاطئة وغياب القرارات

 قناع الملك توت عنخ
قناع الملك توت عنخ آمون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يسلم الترميم من التشوهات التي علقت به خلال الشهور الماضية، وذلك عبر تفجير عدد من الأزمات التي كان يتم الإعلان عنها وكشفها للرأي العام في عدد من المناطق الأثرية، ردًا على خصومة بين مرممين في منطقة واحدة، وعند تفجر الخلاف، يبدأ كل طرف في اللعب بأوراقه دون النظر لسمعة المرمم المصري التاريخية التي أولت عناية خاصة بالترميم تشهد عليها جدران المعابد والمقابر.
ولكن مع كل تفجير لقضية ما، لا تبادر وزارة الآثار لإعلان ملابسات ما تم، بل تقف دائمًا في موقف المدافع عن نفسه لتترك الرأي العام في فوضي كبيرة ليس لها مثيل تتعلق بغياب نهج واحد للحكم على الأثر المرمم ووضع بصمة خاصة للأثر تظهر ما تم له، بل لا تقف لتضع حدا لتلك القضايا التي صارت سيناريو متكرر يغتال الحضارة المصرية ومعه يغتال سمعة المرمم الأثري.

وهذا ظهر جليا في أزمة قناع الملك توت عنخ آمون، الذي تفجرت قضيته في أغسطس 2014، عندما تم تسريب معلومات خطيرة حول كسر "ذقن الملك" ولصقه بمادة الإيبوكسي، ليتسبب في تشويه مخزي للقناع، وحينها رفضت وزارة الآثار الاعتراف بالأزمة، بل بادرت بإعلانها حدوث ترميمات خاطئة رغم رفع كثيرا من المذكرات من جانب مرممين بالمتحف المصري للمسئولين بالآثار تؤكد تشويه القناع. إلا أن وزارة الآثار أنكرت حدوث الواقعة ولم تعترف بها إلا بعد تفاقم الأزمة في الصحف العالمية، لتعود من جديد الآثار لتؤكدها بإحالة المتسببين في الخطأ للنيابة، وبذلك تضرب مصداقيتها في مقتل تمهد لفتح بابا ممتدا لا أظنه سينتهي، وهو ما إستغلته أطرافا عديدة لاستدعاء صورا قديمة من عددا من المواقع الأثرية لترميمات تمت منذ سنوات طويلة ليتم المتاجرة بها الآن.رغم أن تلك الأطراف لم تفتح فمها طيلة تلك السنوات لتبادل بإصلاح الأخطاء، وهذاه الرؤية لا تدافع عن وزارة الآثار لإنكار حدوث ترميمات خاطئة، ولكنها تؤكد أن من يكذب مرة واحدة لا يمكن أن يتم تصديقه لو صدق مرات مقبلة.


هكذا هي حال الحرب الدائرة بين المرممين في مواقعهم الأثرية، كل منهم يسعى لضرب خصومه دون الإلتفات لسمعة مصر، وفي ظل غياب رؤية واضحة لإعادة النظر في الترميمات الخاطئة من جانب وزارة الآثار. تجد تلك المعارك طريقها لمواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجب على وزارة الآثار أن تواجهه بجرأة لتعلن بصدق وشفافية عن خطة مستقبلية لإعادة النظر في كل الترميمات الخاطئة التي تمت للتماثيل الأثرية في الماضي، والبدء في توفير كل المواد الخام اللازمة لإصلاح التشوهات وتشكيل لجان علمية متخصصة تكون منبثقة عن كل قطاع للبدء في إصلاح ما تم إفساده.


قناع الملك توت عنخ أمون، ليس هو الوحيد في سلسلة نزيف الترميمات الخاطئة، ولكن تلاه الأزمة الشهيرة لقاعدة الملك سيتي الثاني أحد ملوك الأسرة ال19 بمعبد الكرنك الذي خضع لترميم خاطئ أضر بقاعدته دون الحصول على الموافقات القانونية لفك التمثال، وهو ما عرضه للدمار. 
وعلى إثره تم تشكيل لجنة من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لبيان ملابسات الواقعة وتحديد المسئولين عن الترميمات الخاطئة، وقامت اللجنة بضم أعضاء محايدون بعد اعتراض النيابة على ضم أعضاء من لجنة الأقصر، وحينها بادر مدير منطقة الأقصر بالدفاع عن المنطقة بأن قاعدة التمثال لم تحتمل إنتظار موافقات اللجنة الدائمة لآثار بل كان يجب التدخل بسرعة لإنقاذه، وهي نفس الأزمة التي تتكرر مع كل تمثال أثري يحتاج للتدخل السريع، ففي الوقت الذي يعاني فيه الأثر من الانهيار تضع اللجنة الدائمة يدها في مياه باردة دون تشكيل لجنة عاجلة للبت في التدخل لإنقاذ جميع التماثيل المعرضة للخطر، بل يصيبها الروتين القاتل الذي يشبه كل الخطوات التي تمضي بنا لمواجهة الكارثة، وهو ما يحتاج لطرق همة أعضاء اللجان الدائمة لترك هذا البطئ الشديد في التعامل مع قضايا أثرية حساسة تحتاج لقرارات ناجزة لا يمكن أن تنتظر في طابورها البيروقراطي المميت.


المبكي في تكرار تلك القضايا أنها تتشابه جميعًا في الاقتصاد على معاقبة المتسببين في إتلاف الأثر بالنقل أو بالخصم والجزاء، وهنا ينتقل المخطئ من مكان دمر فيه أثارا إلى مكان آخر يتحول فيه لندمر محتمل وتستمر المنظومة الفاشلة.
سلسلة الأزمات طويلة، ولا أظنها ستنتهي ما دامت تصر وزارة الآثار على اتباع نفس النهج في معالجة قضاياها الحساسة، ومؤخرا تتوجه الأنظار لأحد التماثيل الموجودة في منطقة الكرنك، والتي تم تركيب دعامة من الخرسانة تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتتحول الحضارة المصرية إلى سخرية لا مثيل لها، وعلى أثرها قال الدكتور غريب سنبل رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم أن ما تشهده تلك القضايا من محل جدل تثبت أن هناك نهجا غير مبرر للتجريب على الآثار بشكل غير مسبوق يضر الأثري، وعندما واجهناه بغياب خطة لإعادة النظر في الترميمات الخاطئة بمنطقة أثر وجه قبلي.أكد أنه سيتفقد المنطقة يوم الثلاثاء الماضي وسيمر على التمثال لبيان حقيقة المواد التي تم استخدامها في الدعامه الملحقة بقدم التمثال، والتي لا يمكن الجزم بأنها مصنوعة من الخرسانة.
مؤكدا أنه سيتم وضع خطةمستقبلية خلال الفترة المقبلة لإصلاح مجموعة كبير من التماثيل التي تعرضت لترميمات خاطئة على خلفية الصورة المتداولة على مواقع.


وحول غياب خطة لإصلاح الترميمات الخاطئة الموجودة بعدد كبير من التماثيل، قال سنبل: إنه في علم الترميم لا يمكن إزالة هذه الدعامة الخاصة بتمثال الكرنك، لأنها تحتاج لأجهزة من الممكن أن تسبب اهتزازات كبيرة للتمثال، وأن المتبع في تلك الحالات هو إزالة التشويه بشكل تدريجي حتى يتم القضاء على الحواف الحادة في قدم التمثال، مؤكدا أن التمثال تم ترميمه منذ أكثر من مائة عام، وفي تلك الفترة كانت تستخدم مواد ليست محظورة أثريا مثل اليوم وكانت تعتمد على تركيب دعامة تمثل مركز ثقل للتمثال الذي يصاب بالشروخ في إحدى قدميه، وأنه سيتم التقليل من التشوهات بتركيب دعامة قد لا تصل لمرحلة التميز، ولكنها ستكون قريبة من القدم بدلا من الحواف الحادة.
وأضاف "سنبل" أن أي تدخل لإصلاح التشوهات التي لحقت بالتمثال تحتاج لموافقة اللجنة الدائمة للآثار، معربا في الوقت ذاته عن استيائه الشديد من حملات التشويه التي تجرأت على الآثار وتسببت في حالة من الإحباط الشديد بين المرممين.