الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موقعة الطبيب والأمين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان والدي، رحمه الله، يحذرنى كثيرًا من الوقوع فى «الفارغة»، وحين كنت أسأله عن المعنى يجيب «تكبير توافه ونواقص الأمور أو كما يقولون العمل من الحبة قبة»، تذكرت هذا الأمر وأنا أتابع موقعة أمين الشرطة وطبيب مستشفى المطرية، فالقضية لا تستحق، ففى الدول «الحقيقية»، لا ينبغى أن يزيد الأمر عن بلاغ للنيابة وبعدها تقوم النيابة بدورها وتطبيق القانون على المخطئ، لكن لأن دولة العدالة لدينا بعافية اتخذت الواقعة «الهايفة» مناحى أخري، وانشغلت الدولة بالأمر، وتدخل الكبار فى وزارة الداخلية ونقابة الأطباء وجهات أخرى ليس لإعلاء شأن القانون ومحاسبة المخطئ، إنما لقتل القانون والاكتفاء بتقبيل الرءوس وإحضار بوكيهات الورود.
أين القانون يا قادة؟، بيد أن الحديث عن القانون صار تهمة الآن، سيقولون عنك أنك إخوانى أو عميل لجهة أجنبية، بينما فى كل دول العالم، تقوم على النهضة على سيادة القانون، فهو الرادع لمثل تلك الأفعال الصبيانية، ولو أن أمين الشرطة أدرك أن القانون سيطبق عليه فى حال تهديد طواقم طبية، وأنه سيجد نفسه ربما مسجونًا ليس طبقًا للقانون المصرى فقط، إنما طبقًا لقوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لفكر مليار مرة قبل أن يمارس هواية أنا الأقوى على طبيب الاستقبال، وفى الوقت نفسه لو أدرك الطبيب المطحون أن من أمامه هم بشر مثله ويستحقون على الأقل معاملة إنسانية، ولا أقول طبية، لأن الطب غير موجود سواء فى العلاج أو الخدمة، فلن ينفعل عليه أمين الشرطة ويحاول إفهامه أنه الأقوى.
من وجهة نظري، فإن الخدمة الطبية هى سبب المشكلة فمعالى الباشا الأمين يريد من الطبيب ترك العالم كله حتى لو كانت هناك حالة تموت، والتفرغ له وعلاجه حتى لو كان يعانى من مجرد خدوش بسيطة، فالرجل يقاتل الإرهاب ويموت من أجلنا، فكيف نساويه بمواطن بسيط، قد يموت هو الآخر لكن بطريقة أخرى.
موقعة الأمين والطبيب تثبت أننا لا نعيش فى دولة، صحيح أن الرئيس يحاول أن تكون مصر «قد الدنيا»، لكنها لن تبقى كذلك بالنيات والتمنى والكلام الطيب، فأولى خطوات بناء الدولة هى المحاسبة، وأن يدرك الجميع أن القانون سيطالهم، مهما كانت مواقعهم ووظائفهم، وأرى أن الدولة وقعت فيما كان يحذرنى منه والدي، وهو ادمان «الهيافة» والإمساك فى توافه الأمور وتكبيرها لدرجة تشعرك بأنك أمام معركة بقاء، وفى هذه القضية أن المواطن لا قيمة له، والمهم هو انتصار القبيلة، سواء كانت من الشرطة أو أطباء، فالأطباء أغلقوا المستشفى أمام المرضي، كأن المستشفى ملك لهم أو للنقابة، و«فى داهية المرضي»، أيضا أفراد القسم يرفعون شعار «اللى هيقرب من أحد أبناء قبيلتنا هنضبطه ليتنازل عن حقه»، والمهم من المنتصر فى النهاية، أعتقد أننا كلنا خاسرون، والشعب المصرى يستحق أناس غيركم لأنكم للأسف تعملون لإعلاء القبيلة، وغير ذلك فليذهب إلى الجحيم.