الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يمكن إنقاذ الإعلام؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا خلاف على أن مصر قد أنجزت خلال الفترة الأخيرة استحقاقات ثلاثة من خريطة الطريق لثورة الـ٣٠ من يونيو، وما زال أمامنا استحقاق رابع يرتبط بشكل مباشر باستعادة الشخصية المصرية لقيمها وأصولها، ويضعها على طريق التنوير لبناء مجتمع مصر الجديدة الذى يحلم به كل المصريين. 
فقد وضعنا دستورا جديدا للبلاد وانتخبنا رئيسا يعبر عن الإرادة السياسية الحقيقية لجموع الشعب الذى قام بثورتى يناير ويونيو، وأخيرا اخترنا برلمانا لكى تكتمل دولة المؤسسات، أما الاستحقاق الرابع هو ما نسعى إليه، وهو الإعلام الذى تأخر إنجازه كثيرا، ليس كشكل مؤسسى، فقد كانت هناك وزارة للإعلام، وفى الأغلب لن تعود، ولكن من حيث مضمون الرسالة الإعلامية التى أعتقد أنها ضلت طريقها فى السنوات الأخيرة، بعد أن فقدت القدرة على تشكيل وعى المجتمع عندما أصابت المشهد الإعلامى حالة من الانفلات والفوضى، وكم نحن أحوج ما نكون لوجود نظام إعلامى جديد يتحرر من هذه الحالة، وينتقل بمصر إلى حالة جديدة تتميز بالاستقرار حتى تتمكن من مخاطبة عقل وفكر الأمة بشكل يتكامل مع الاستحقاقات الأخرى، وحتى يمكن القول إننا أنجزنا بالفعل خريطة المستقبل التى حددتها ثورة يونيو!!
وبعيدا عن تشخيص أمراض الإعلام المصرى التى كم تحدثنا عنها كثيرا، فإنه آن الأوان رسم صورة مأمولة للإعلام الوطنى بشقيه العام والخاص، بحيث يتسق مع التشريعات الجديدة التى تنظم العملية الإعلامية من خلال المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، وما ينبثق عنه من هيئات للصحافة والبث المرئى والمسموع.
مع الوضع فى الاعتبار دور الإعلام (الجديد) أو الإلكترونى، لما يمثله من طفرة ونقلة نوعية فى مضمون وشكل الرسالة الإعلامية، وترتبط هذه الصورة برؤية مختلفة للمؤسسات الإعلامية إدارة وتنظيما وفكرا وأداء، وفى مقدمتها اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى طالما قلت إنه (رمانة الميزان للإعلام العام والخاص)، ولا أبالغ إذا ذكرت أن هذا ليس فى مصر وحدها بل فى كل أنحاء العالم العربى، ويبقى السؤال.. ما أهمية هذه المؤسسات فى تطوير مضمون الرسالة الإعلامية؟ 
ومن الطبيعى أن يحتاج الأداء الإعلامى إلى عملية ترشيد تصل من وجهة نظرى إلى ما يمكن وصفه بضرورة «فلترة» مهنية لكل من يتصدى لعملية صياغة الرسالة الإعلامية، ولن نستطيع تحقيق ذلك إلا بوجود آليات تستند إلى رؤية احترافية للعمل الإعلامى!! ومن بين أهم هذه الآليات نقابة الإعلاميين، وأهم ما يعنينى بشأنها حماية المهنة من الدخلاء عليها، وسأضرب مثالا يوضح ما أقصده عندما تقدم مثلا راقصة أو ممثل أو لاعب كرة برنامجا تليفزيونيا، فإننا نفتح المجال أمام كل الفئات لتحمل مسئولية توجيه الرسالة الإعلامية، وفى هذه الحالة نصبح بنسبة كبيرة أمام تسطيح متعمد لفكر المتلقى، ولكن ليس كل فنان فاشلا فى القيام بهذه الوظيفة، فقد استطاعت الفنانة إسعاد يونس والفنان محمد صبحى مثلا أن يقدما نموذجين ناجحين، لكنهما يظلان استثناء، وعموما هناك الكثير من النماذج الناجحة، وأيضا الفاشلة فى القنوات الفضائية، وليس هذا مجالا لحصرها، إذ يصبح من الضرورى وجود مسودة سلوك لأخلاق المهنة، ونلاحظ أنه عندما أشار بيان الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ المعبر عن فكر وروح ثورة الـ٣٠ من يونيو إلى الإعلام، فإنه ركز بشكل أساسى على ميثاق الشرف الإعلامى الذى يعد كما قلنا مدونة للسلوك المرتبط بأخلاقيات مهنة الإعلام، وكم كتبت كثيرا على هذه الصفحات فى هذا الموضوع، مؤكدا أن المحاسبة الذاتية للقائم بعملية الاتصال هى نقطة الانطلاق للالتزام بأى ميثاق شرف، بعبارة أخرى لن تجد أى مواثيق مفعلة ما لم تكن هذه المحاسبة الذاتية لها قيمة مهنية لدى الإعلامى، وإن كنت أثمن ما توصلت إليه غرفة صناعة الإعلام فى هذا الشأن، ولكن مدونتها غير ملزمة، لأنها لا تلزم إلا من وافق عليها من أعضائها!! 
وعليه، فإن انتقال الأمة من مرحلة ضبابية الإعلام بشقيه العام والخاص إلى مرحلة الشفافية والوضوح، يتطلب حالة من الاحتشاد الفقهى من أجل اكتمال تشريعى ومؤسسى يفتح الطريق نحو تنوير حقيقى فى المجتمع بكل ما يعنيه من ذوق رفيع، وقيم بانية، ورقى حضارى يعكس الدور الحقيقى للإعلام الوطنى، ومن ثم هل يمكن أن نتفق على كلمة سواء بشأن إعلام يصل- كما وكيفا- إلى هذه الحالة المنشودة؟
ولا شك، أنه فى الإمكان الوصول إلى إعلام وطنى قادر على تفعيل دوره فى التنمية الشاملة، ويظل انعكاسا لهموم وآمال وطموحات المواطن المصرى، ولا أبالغ إذا قلت إن الإعلام المصرى إذا استرد عافيته، وساهم فى بناء الوعى وليس فى تجريفه، أتصور أنه سيكون له تأثير إيجابى على النهوض بالإعلام العربى ككل، وما له من تأثير على المتلقى العربى الذى يرتبط بصورة أو بأخرى بالإعلام المصرى، سواء كان ذلك برامج أو دراما، لأن مصر بحكم موقعها وموضعها الجغرافى والتاريخى يظل قدرها أنها دولة متبوعة وليست تابعة، دولة قائدة وليست منقادة، ومهما حاول البعض تجريف الدور المصرى على المستوى القومى سيبقى دورها، وهنا تكمن أهمية وخطورة تطوير الإعلام المصرى!!