السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة إلى الرئيس عن خطر تفكيك الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعجبك الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تحدث مع عمرو أديب عن مشكلة الأولتراس وإسلام جاويش، وعدم غضبه من الانتقادات التى توجه إليه، مدحته لأنه سياسى عاقل يؤمن بأن الناس لا يمكن أن يكونوا على قلب رجل واحد، فليس معقولا أن يكون المصريون كلهم معه، من المنطقى أن يختلف معه وعليه كثيرون، أثنيت عليه لأنه يتابع كل صغيرة وكبيرة تحدث فى مصر، فهذا هو الرئيس الذى لا ينشغل عن شعبه بشيء. 
لن أنازعك فى إعجابك بالرئيس، لكن لدى هنا ما هو أهم من الإعجاب والمدح والثناء، لدى حديث عن دولة على وشك التفكك، هذا إن لم يكن تفككها بدأ فعلًا، وهو على عكس ما كان يريده السيسى ونريده نحن أيضًا. 
لقد انحاز السيسى إلى ثورة ٣٠ يونيو، من أجل هدف واحد، وهو الحفاظ على هذه الدولة التى لا يشكك أحد فى حبه لها والعمل من أجلها، خاف عليها من شر الإخوان الذين عملوا من اللحظة الأولى على مصادرتها لصالحهم الخاص، وهو ما أدى إلى أن تنفلت الأمور من بين أيديهم، فقد كان التمرد عليهم من اللحظة الأولى لوصولهم إلى الحكم هو اللغة الوحيدة التى عرفها الشعب المصرى. 
مرت السنوات والسيسى بالنسبة لكثيرين هو رمز الحفاظ على تراب هذه الأرض وحمايتها والدفاع عنها، لكن يبدو أن هناك فارقًا كبيرًا بين السيسى وزير الدفاع الرجل العسكرى الحاسم والصارم الذى لا يقبل الاقتراب من حمى الدولة، والسيسى الرئيس والسياسي، الذى قد يلجأ لبعض المواءمات من أجل أن تسير الأمور دون أن تصل إلى مرحلة العقدة التى لا حل لها ولا فكاك منها. 
فى حديثه مع عمرو أديب دعا السيسى عشرة من شباب الأولتراس أن يجلسوا معه، وأن يطلعوا على تحقيقات قضية استاد بورسعيد، فعل ذلك بحسن نية فيما أعتقد، لكن من قال إن الدول تسير بالنوايا الحسنة، ما هى صفة هؤلاء الشباب ليطلعوا على التحقيقات، وهل من حق أى مجنى عليه أن يطلع على تحقيقات قضية صدر فيها حكم لم يعجبه أو لم يأتِ على هواه، لقد منح السيسى هؤلاء الشباب ما لا يملكه وما لا يستحقونه، ربما أراد أن يهدئ عاصفتهم الهائجة، لكنه دون أن يدرى ضرب بدولة القانون عرض الحائط. 
حاول الرئيس أن يسترضى الأولتراس، لكنه دون أن يدرى أغضب أهالى بورسعيد، الذين يعتقدون أنهم تحملوا ما لا يطيقه أحد بسبب مذبحة الاستاد، وأصبحنا أمام جبهة جديدة تنفلت من بين مؤيدى الرئيس، الذين انتظروه لكى ينصفهم، فإذا به ينحاز ضدهم، رغم أنه فى اعتقادى لم يكن يقصد شيئًا من هذا، لكن فى النهاية هذا ما حدث.
إننا أمام جبهات تتكون الآن تمثل خطرًا على الدولة، تتعامل على أنها أصحاب حق مطلق فيما تريده، بصرف النظر عن القانون الذى يجب أن يكون حاكمًا على الجميع، ولا أدرى هل وصلت إلى الرئيس السيسى أصداء حادث مستشفى المطرية أم لا، اعتدى أمناء شرطة على أطباء، فردت نقابة الأطباء بإغلاق مستشفى المطرية التعليمى، بعد أن أعلنت أنها لن تعالج رجال الشرطة. 
ما حدث عبث كامل بالطبع، بصرف النظر عن تفاصيل من أخطأ ومن كان معه الحق، الذين اعتدوا على الأطباء كان يجب أن يعاقبوا على وجه السرعة، لكن ولأننا تخلينا عن القانون واستبدلناه بجلسات جبر الخواطر، أقدم الأطباء على ما يمكن أن نعتبره جنونا كاملا، فلا يمكننا تفسير إغلاق مستشفى والامتناع عن علاج فئة معينة إلا بالجنون المكتمل، لكن قبل أن نلومهم لا بد أن نسأل عما دفعهم إلى اتخاذ هذا الموقف؟ 
عندما يغيب القانون سيدى الرئيس، فعليك أن تتوقع أى وكل شىء، وعندما تكون هناك فئة تستعلى على الناس بسلطتها ونفوذها، وهى تعرف أن أحدًا لن يعاقبها، فعليك أن تنتظر جنونا أكبر وأعظم مما نرى الآن فى مصر، وتستطيع أنت من خلال التقارير التى ترفع إليك يوميا أن تقابل عشرات النماذج من الانفلات العام لسبب واحد أنه لا يوجد قانون فى مصر. 
هل تعرف يا سيادة الرئيس ما الذى جرى على وجه التحديد فى قضية رسام الكاريكاتير إسلام جاويش الذى قلت أنت إنك لست غاضبًا منه، لقد قبضوا عليه بالصدفة البحتة، لم يكن مستهدفًا، لم يرسمك من الأساس، له بعض الرسومات وهو فى الغالب ليس صاحب أفكارها، آخرون يفكرون وهو يرسم، لكن أصدقاءه الذين يعرفون أنه يمكن أن يتورط فى قضية لا يخرج منها، استبقوا الأحداث، وقالوا إنه قبض عليه لأنه تجرأ ورسم الرئيس، فعلوا ذلك حتى يضغطوا عليك، ويضعوك فى حرج، وأصبحت أنت فى «خانة اليك»، لا يمكن أن تخرج منها، إلا بالإفراج عن جاويش. 
لقد أفرجوا عنه، وكنت أنت الخاسر الوحيد فى القضية، فلا أحد يعرف اسم الضابط الذى قبض على جاويش، ولا أحد يعرف اسم من حقق معه، ولا أحد يهتم بأن يعرف اسم من أخذ قرار الإفراج عنه، لكن أنت وحدك من دفعت الثمن، فمن تضامنوا مع جاويش، رسموك بشكل ساخر، ولا أدرى هل رأيت هذه الرسومات أم لا، لكن قضية تافهة أدخلتك مساحة كنت فى غنى عنها. 
كل هذه مظاهر تجعلنا وجهًا لوجه أمام دولة مفككة، ولا حل أمامك وأمامنا يا سيادة الرئيس إلا أن تكون الكلمة الأولى فى مصر للقانون، القانون الذى يسير على الكل، الجميع يخضع له، فأول انهيار الدول أن يكون هناك من هم فوق قانونها، لا أحد يحاسبهم ولا حتى يجرؤ على النظر إليهم، احم دولتك بالقانون يا سيادة الرئيس، فبدونه لا دولة ولا نظام ولا شعب.