السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أين السعادة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وقت طويلٌ جدًّا قضيته وحيدًا أمام شاشة الكمبيوتر باحثًا عن موضوعٍ مقالي يتناسب مع الظروف التي نمر بها تلك الأيام، ولكن لم يتمكن عقلى من إفراز نهجٍ واضح أسير عليه في كتابتى لهذا المقال، فعزمت أن أكتب لنفسي بعيدًا عن تلك الظروف حتى أجدها، فملاقاه نفسى وإيجادها أهم بكثير من أي ظروف التحق بها في تلك الظروف الواهمة التي لحقت بالعالم بأثره.
وقفت متأملاً لملامحى ذات التاسعة عشر من العمر لعلى أكتشف شيئا جديدا يبعث بالسعادة إليّ فى وقتٍ غابت تلك السعادة الحقيقية عنا.. إرهابٌ في كل مكان، غموض في عقول شبابنا من عنادٍ ومكابرة دون طموح، دماء تسيل في كل مكان لبشرٍ لا ذنب لهم سوى أنهم أدركوا حياتهم في ذلك الزمن المتجاوز لحدود العقل تارة، والمنهمك فى مصالحة تارة أخرى، والإرهاب الذي بات يضرب كل مكان مستغلاً لحالة الفقر العقلى في فهم سماحة الأديان السماوية، والصديق الذي يدهسك من أجل مصالحه لمزيد من المال، والتلوع وملوثات السمع التي تخرج من أفواه الناس، والمخدرات المباعة علنا أمام أعين العباد، وتمكنت من عقول شبابٍ افتقدت للقدوة في حياتها.. فمن منا بات يأخذ غيره من الناجيين بعقولهم قدوة، فالشاب بات يغتر في نفسه ولا يرى إلا غيره، افتقرنا للقدوة ففقد واقعنا قيمة الحياة، والجهل المنتشر بين ربوع العقول، حتى الفقير بات يتمتع بوجبةٍ طازجة من القمامة ممزوجة بنكهات من الذباب والديدان، فعالمنا بات يعمه الضباب ولكنه ضباب من نوع آخر.
تذكرت جيدًا في تلك اللحظة وصية أبي قبل وفاته بساعاتٍ وهو يقول "يا ابنى بلاش تبص للدنيا كتير عشان متتعبش"، كان أبى يدرك ماذا سيعم بمجتمعنا فهرب منه وغاب عنى منذ طفولتى، فلم يبق لى سوى أمى التى علمتنى بأن النسآء في مجتمعنا أبطال من صخورٍ فى مواجهة الواقع وتحدياته المختلطة بهمومه.. هى أمى التى علمتنى كيف أفكر وكيف أسعى وكيف أدرك قيمة "الإنسانية" مع نفسى ومع غيرى في تعاملاتنا.
وبالعودة لعنوان تلك المكاشفة "وقفة مع النفس" أخذنى عقلى لمجاراته في كل شيء يحوم حولى فما من شيء إلا وبات مهموما هو الآخر حتى الجماد لحق به الخراب من الحروب وقسوة بعض الشر ولكنى دائما أضع قول الله العظيم أمامى حينما قال: "ولا تهنوا ولا تحزنوا" فتلك الآية تجعلنى دائما صامدا أمام كل شيء يحدث حولى.
سيدى أصبحنا وفى أمس الحاجة للوقوف مع أنفسنا قليلاً والتأمل فى تفكيرنا وشخصيتنا حتى نحقق مفهوم "الإنسانية" الذى أصبحنا فى أمس الحاجة إليه، نحتاج لمكاشفة أنفسنا عن أدياننا ونعود لسماحة تلك الأديان لمواجهه عقول الجهل والظلام التي تخرب باسم الأديان، علينا مكاشفة أنفسنا من أجل تحقيق مفاهيم "السعي والجد والعمل والتعلم" التى فقدها شبابنا اليوم فتمكن منهم الإحباط فزدادت البطالة وشغف العلم والتعلم بينهم، وبالتالى يقل حب الوطن فى جوارحهم ليذهبوا للإرهاب موطنًا لهم، نحتاج لمكاشفة من أجل إحياء مفهوم "القدوة "من جديد، من أجل تحقيق غرض الله من خلقنا، والرجوع إلى مفاهيمه التى زرعها أجدادنا بداخلنا، ولكن الزمن بما فيه أغشاها.
فى الأخير نحتاج "وقفة مع النفس" للسلام أولاً مع أنفسنا داخليًّا ثم السلام مع بعضنا خارجيًّا... حينما سنكاشفها ونقف معها قليلاً ستعود "السعادة الحقيقية" إلى عالمنا.