الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل تتابعني؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد تمرد الكثيرون على لقب «المذيع» الذى ألفناه طويلًا؛ وحل محله لقب جديد هو «الإعلامي»، والفارق بين المصطلحين غنى عن البيان؛ وتكفى الإشارة إلى أن المذيع فى برامج الحوار القديمة، كان يقف خلفه «المعد» الذى يزوده بمادة الحوار، ويبقى على المذيع إظهار مهارته فى استثمار المادة التى زوده بها المعد. أما الإعلامى فإنه يكون فى الأغلب وافدًا من الصحافة المقروءة، ومن ثم لا يرى فى نفسه حاجة ملحة لمن يعد له مادة الحوار؛ فضلا عن أنه يكون غالبًا متبنيًا لوجهة نظر سياسية اجتماعية فكرية وربما عسكرية يراها السبيل الصحيح وربما الوحيد لإصلاح عثرات المجتمع والتغلب على مشاكله. بعبارة أخرى فقد اختلط دور المذيع ناقل الخبر بدور «الداعية» الذى يدعو متابعيه لتبنى وجهة نظره. ورغم تقدم فنيات رصد حجم المشاهدة لقنوات التليفزيون؛ فما زال المجال متسعًا، والدراسات قليلة، فيما يتعلق بطبيعة وخصائص وتوجهات أولئك الذين يستقبلون تلك الرسائل الإعلامية. موضـوعنا هـو سيكولوجية المستقبِل لـرسائل الاتصال الجمـاهيرى المـرئيــة والمسموعة، وإذا كان الفارق بين تعبيرى «المستقبَل» (بفتح الباء)، و «المستقبِل» (بكسر الباء) يبدو فارقًا كبيرًا، فإن الأمر ليس كذلك تماما بالنسبة لموضوعنا، فثمة ما يجمع بين المصطلحين: إن كليهما مجهول، وكليهما أيضًا يلزم السعى لمعرفته، أو بعبارة أخرى لا يمكن قبول الجهل به دون مجازفة بالغة فالإنسان - بل الكائنات الحية بعامة - لا يستطيع الحياة دون قدر يزيد أو يقل من معرفة بالمستقبل أو تعرف عليه، وكذلك القائم بالاتصال لا بد أن يتوافر لديه قدر من المعرفة بمن يتلقى اتصاله، حتى أنه إذا ما تعذر ذلك عمليًا قام بافتراض وجوده بل وتخيل ملامحه، وهو ما يطلق عليه «الجمهور المستهدف»؛ ولا يقتصر الغياب على الغياب المكانى فحسب، رغم أهمية هذا النوع من الغياب بالنسبة لعملية التواصل بين المرسل والمستقبل، فالغياب فى حالتنا هذه يكون غيابًا معلوماتيًا أيضًا. فالمرسل لا يكاد يعرف شيئًا يقينيًا عن متلقى رسالته. بل إنه لا يستطيع حتى أن يعرف ما إذا كان ذلك المتلقى المجهول، قد تلقى رسالته بالفعل أم لا، وإذا لم يكن قد تلقى الرسالة، فهل كان ذلك امتناعًا منه عن تلقيها؟ أم جهلًا منه بموعدها؟ أم لعدم ملاءمة موعدها له؟ أم كان ذلك بسبب إعاقة تكنولوجية تتعلق بأجهزة الإرسال، أو أجهزة الاستقبال، أو بمدى ملاءمة العوامل الجوية؟ وغنى عن البيان أن كلًا من تلك الأسباب يتطلب لتلافيه اتخاذ خطوات وإجراءات تختلف عن نظيرتها بالنسبة لبقية الأسباب. وإذا ما كانت الرسالة قد تم استقبالها، فمن الذى استقبلها؟ قد يكون طفلًا أو شابًا أو كهلًا، قد تكون امرأة وقد يكون رجلًا، قد يكون غنيًا أو فقيرًا، ريفيًا أو حضريًا، نوبيًا أو بحراويًا أو صعيديًا، مغربيًا أو سعوديًا أو فلسطينيًا، مقيمًا أو مغتربًا، مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا أو ملحدًا، إن لكل من تلك الصفات المجهولة أهميتها البالغة، فيما يتعلق بخصائص الرسالة الإعلامية الملائمة، سواء من حيث الشكل أو المضمون، حتى أن رسالة معينة قد تكون ملائمة تمامًا لفئة من المستقبلين، وتكون نفس الرسالة بالغة الغموض أو مثيرة للملل، أو حتى للاستفزاز بالنسبة لفئات أخرى من المتلقين. كل ذلك وغيره أمور يستحيل على المرسل معرفتها بشكل يقينى، ومباشر، ومستمر. ترى هل يمكن له أن يستغنى عن مثل تلك المعرفة، ثم يستمر فى إرساله آملًا أن يكون ذلك الإرسال إرسالًا فعالًا؟ بل هل يستطيع المرسل ابتداء ومهما كانت قدراته الفنية أن يشرع فى بث رسائله إلى هذا المتلقى المجهول؟ إن التعرف على المستقبَل يعد ضرورة حياة بالنسبة للبشر، وكذلك فإن التعرف على المتلقى يعد ضرورة حياة بالنسبة للرسالة الإعلامية من حيث فاعليتها، وبالنسبة للمرسل أيضًا من حيث استمرارية كفاءته. فكلما تزايد حجم المعرفة المتاحة عن المرسل إليه، ازدادت دقتها، وازدادت بالتالى فاعلية التأثير الذى تحدثه لدى ذلك المتلقى. ومن ناحية أخرى، فإن إحساس المرسل بأن ثمة من يتلقى رسائله يعد شرطًا أساسيًا لاستمرار قيامه بالإرسال بكفاءة، كما أن تزايد المعلومات المتوافرة لديه عن المتلقى، يرفع من قدرته على التجويد، ولذلك فإنه لا يوجد البتة من يرسل رسالة إلى «لا أحد»، أيًا كان المرسل، وأيًا كان محتوى الرسالة، وأيًا كانت نوعية الاتصال. وحتى فى حالات الاضطراب النفسى الشديدة، حين يبدو لنا المريض متحدثًا إلى ذلك الـ «لا أحد»، فإنه يكون فى حقيقة الأمر متحدثًا إلى آخر من صنع خياله. خلاصة الأمر إذًا أنه لا يوجد متحدث دون مستمع، ولا مرسل دون متلقٍ، وإذا ما تعذر التواجد المباشر المحدد لذلك المتلقى، فإننا - ولكى نتمكن من الإرسال - نفترض وجوده افتراضًا، بل وقد نصطنع له من الخصائص والصفات ما يقترب أو يبتعد عن الحقيقة وفقًا للقدر المتاح لنا من المعلومات.
ترى هل لدى أجهزة الإعلام فى بلادنا ما يكفى من دراسات توضح خصائص ومواقف واتجاهات جمهور المتلقين لبرامجها؟