الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا ديمقراطية قبل تجديد الدين!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى الأسابيع الماضية أعلن وزير الثقافة حلمى النمنم رفضه القاطع لمحاكمة المفكرين والمبدعين بتهمة ازدراء الأديان، وطالب مجلس النواب بالعمل من أجل إلغاء المادة الخاصة بهذه التهمة، وأخشى أن يعتقد النمنم أنه بتلك التصريحات قد أدى كل ما عليه كمثقف أولا ثم كوزير معنىّ بقضية حرية التفكير والإبداع والاعتقاد.
وأتصور أن عليه تقديم مشروع قانون يترجم مواد الدستور التي ترسخ تلك الحريات تماما كما تفعل باقى الوزارات في القضايا والمواضيع ذات الصلة بعملها، وأظن أن من واجبه أيضا خلق رأى عام داعم لهذا المشروع من خلال طرحه لنقاش مجتمعى واسع، ثم محاولة كسب تأييد أعضاء البرلمان والتكتلات الحزبية والسياسية التي يتوسم فيها توجها نحو دعم قضايا التنوير والوعى.
إن إقرار قانون كهذا لا يخدم فقط حرية التفكير والإبداع، وإنما يساعد أيضا على وضع أسس صحيحة لنظام سياسي ديمقراطى، فليس من المتصور وجود نظام تعددى في ظل استمرار منهج فكرى يكفر كل سعى لإعمال العقل ويكرس الجمود والتطرف، ناهيك عن الإرهاب كنتيجة حتمية له.
السطحيون أعداء العقل تلاميذ مدرسة النقل يفهمون الدعوة إلى تجديد الدين باعتبارها رجزا من عمل الشيطان ومطالبة بتغيير ثوابت الأمة وهدم أصول العقيدة ومحاربة للإسلام والمسلمين.
وينسون حديث الرسول الذي رواه أبوهريرة والقائل (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، ولو ذكروه فإنهم يفسرون معنى التجديد بإحياء التراث دون مراجعته بالنقد والتفنيد، وهم ينظرون للفقه القديم كمقدس تلتصق قدسيته بقدسية الدين ذاته ممثلا في القرآن والسنة.
وعلى هذا تصبح كل محاولة لتفكيك التراث وما حمله إلينا من خطاب دينى من وجهة نظرهم ازدراء للدين وتعديا على حرمته، ولأنهم حماة القديم بصالحه وطالحه أصبح الاقتراب من منطقة معارضتهم ونقدهم كذلك ازدراءً للدين وتحقيرًا له. هذا هو جوهر الصراع الدائر بين الداعين لتجديد دين الناس والفقه الذي يحكمهم وبين القابضين على جمر القديم دفاعًا عن مصالح لهم ليس آخرها حجم الأموال التي تنفق من أجل الإبقاء على مذاهب التطرف والجمود، فثمة مصلحة نشأت في سياق نسق الفقه القديم الذي ظهر في ظل نظام سياسي بدائى قام على أن رجل الدين الراشد الفصيح حلقة الوصل بين الخليفة ورعيته، علاوة على أن الخليفة أو الحاكم لا يبت في أمر من أمور الحكم إلا بمشاورة الفقيه. لهذا ينتفض كل صاحب عمامة في وجه كل دعوة إصلاحية تطالب بفصل الدين عن السياسة، وهم يتفقون في ذلك مع ما تسمى بجماعات الإسلام السياسي (الإرهابية).
ومع ذلك لا يزال كبار رجال الأزهر يقفون ضد هذا الوعى ويصرون على ضرورة ارتباط الدين بالسياسة، وأن رجل الدين هو الوسيط بين الرئيس وشعبه. لكن المصالحة في الإبقاء على التراث القديم بعلاته لا تتوقف عند المجال السياسي، فهى ممتدة إلى المجال القانونى والاجتماعى، فمن إصدار الفتاوى التي تحرم ما أجازه الدستور والقانون على نحو يهدم هيبة الدولة، إلى التلاعب بأحلام البسطاء بزعم لعب دور الوسيط بينهم وبين ملوك الجن لاحظ أن رجل الدين هو همزة الوصل دائما بين المواطن وحاكمه السياسي، وبينه وبين حاكمه في العالم الخرافة.
النسق الذي ينطلق منه تلاميذ مدرسة النقل صار شائعا في المجتمع حتى إننا رأينا أعضاء بمجلس النواب يجلبون شيخا يجيد التعامل مع العفاريت ليطفئ حرائق اندلعت في إحدى قرى محافظة الشرقية، ولا أظن أن هذا النوع من النواب سيقف في مواجهة نواب حزب النور (الديني) إذا أيدوا أو عارضوا مشروع قانون باستخدام نصوص دينية.
هنا نطرح السؤال: هل يمكن الحديث عن نظام سياسي ديمقراطى قبل تجديد الخطاب الديني؟!
ربما يكون من المفيد أن أستعين بتعريف الدكتور مراد وهبة، المفكر وأستاذ الفلسفة، للعلمانية بوصفها (التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق) أي التعامل مع قضايا الأمة المتغيرة، والنسبية بطبيعتها، بمنهج متغير وآلية نسبية، وليس بنصوص جامدة مطلقة في أحكامها، وهذا هو جوهر الديمقراطية.