الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المرحوم سي "الضحك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرنى زميل بما فعله الزعيم الراحل عبدالناصر مع أحد وزراء التموين فى عهده، عندما وقف معلقا على انتقاد أحد النواب لارتفاع سعر الحلاوة الطحينية بقيمة قرش ونصف.. كان رد الوزير مستفزا عندما قال : «وإيه يعنى لما سعر الحلاوة يزيد هو يعنى لازم يحلوا بيها؟ يحلوا بحاجة تانية»، وقبل أن يجلس جاءه من يخبره بأن الرئيس لا يريد أن يراك ويخبرك بأن تجلس فى بيتكم، حيث تم عزله وتولية آخر على الفور، فيما كان تعليق الرئيس يومها: «هو عشان بيحلى بتفاح أمريكانى مستكتر الحلاوة فى الغلابة؟».
الغلابة هم من سيقع عليهم عبء ارتفاع الأسعار بعد رفع الرسوم الجمركية على سلع قيل إنها استفزازية، أو هكذا أفهموا صاحب القرار، لكن يبقى السؤال وهو هل توقف ارتفاع الأسعار المتوقع بعد قرار زيادة الجمارك، على السلع التى نوهت عنها الغرف التجارية؟، من مكسرات، ومستحضرات تجميل وحلاقة وأدوات الشعر، والبدل، وأدوات وأجهزة المطبخ، والساعات والأقلام والقداحات (الولاعات)، وبعض الفواكه ذات البديل والمثيل المحلى، وأغذية الحيوانات الأليفة وأدوات السراجة والفروسية، وأقلام حبر ورصاص؟
الإجابة: بالطبع لا لم يتوقف رفع السعر على هذه الأصناف، بل إن هناك أصنافا أخرى لم يتم رفع سعرها فقط بل سجنها، فى غياهب هذه الارتفاعات، فهناك الضحكة التى ستموت خوفا من ظهور أسنان سوداء لا تجد ما تنظف به بعد رفع سعر فرشاة الأسنان، أو من رائحة فم كريهة لا يقبلها غير رب العالمين وقت صيام رمضان فقط.
الضحكة ذاتها حتى بدون فتح الفم، أصبحت مخيفة لأولى الأمر، توهما أنها ستودى بحياتهم كما حدث من قبل، كذلك فإن من يضحك سيصبح خارجا عن القانون، متهما بكثير من التهم، وكأن الديمقراطيات فى كل العالم غير ما يدعون عندنا، ولو رأوا ماذا رسم الرسامون على جسد أوباما وهو رئيس منتخب، ما تقوّل «ملكى» أكثر من الملك، أن هناك من يهين لا سمح الله إنسانا ما ولو كان رئيس جمهورية لم يسع أحد لتنصيبه كنصف إله، معصوم أو غير معصوم، دون انتباه إلى الحكمة القائلة بأن من يتصد للعمل العام عليه التبرع بنصف عرضه، فما بالنا أن من تم العصف به تعرض فقط لنقد سياسات الرئيس أو الحكومة، وكلاهما بحسب العرف الديمقراطى ليس منزها عن النقد الناتج عن خطأ ما ارتكبه كلاهما أو أيهما.
فى ٢٥ يناير ٢٠١١ ثرنا على ديكتاتورية وفساد نظام مبارك، وفى ٣٠ يونيو على تخاريف وفساد نظام الجماعة الشيطانية، ونال الشعب بعضا من حريته، استغلها كل من أتباع النظامين لبذر الفوضى فى ربوع الشارع المصرى، ثم عاد المتحولون إلى النظام الحالى، ليستغلوها فى الدعوة لتشديد القبضة الأمنية، بحجة أننا شعب لم ننل من التربية شيئا، لذا يجب الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التفكير مجرد التفكير، فى قول كلمة أو رسم كاريكاتير معارض للحكومة!
أشياء أخرى منعت أو لنقل ارتفع سعرها، بعد الضحك الذى كان يميز الشعب المصرى، فيما مضى من عصور، حتى إنه نجح فى يوم من الأيام فى هزيمة آثار النكسة فى عام ١٩٦٧، وعارض عبدالناصر والسادات ثم مبارك ومن بعدهما حكم المرشد، هكذا كان المرحوم الضحك معبرا عما تجيش به الصدور دون رقيب أو حسيب، فلم يجرّم يوما ولم يقبض على ضاحك فى يوم من الأيام، وأنا هنا لا أدافع عن أحد بعينه ولا يهمنى الدفاع عن شخص مهما كانت كنيته أو وزنه فى المجتمع، لكنى أدافع عن الفولكلور، عن بسمة شعب كانت تميزه بين كل شعوب الأرض، عن الشعب الفيلسوف الذى كان يقْلِب أحزانه للنكتة، فيحول الجو الخانق إلى فسحة ومساحة من الحياة، كان الباحثون يفتشون عن سرها وكوامنها، كنا نراها فى الحفلات الغنائية وأشهرها أضواء المدينة، حتى اندثر فن المونولوج ومعه النكتة التى كنا ننتظرها مع الضاحكين كل حفل لنضحك معهم وعلى أنفسنا، المهم أننا كنا نضحك.
عبدالناصر عزل وزيرا استكثر على الغلابة التحلية بالحلاوة الطحينية، فيما الآن يحاول وزراء هذا الزمان النيل منهم فى كل قرار وللأسف يوقعه الرئيس، عبدالناصر عزل وزيرا بسبب نكتة كشفت عن أزمة فى السكر، والآن يجرم الوزراء الحاليون استيراده، بعد القضاء على زراعة القصب، ولا يزال الرئيس يوقع، دون أن يكشف لنا متى سنصبح شعبا قد الدنيا، فى وطن كما وعد قد الدنيا؟