الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كذب الوزراء ولو صدقوا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تابعت مثل بقية المصريين الجدل حول قانون الخدمة المدنية، الذى رفضه البرلمان استجابة للمطالب الشعبية. ردود الفعل تراوحت بين الارتياح والغضب، فالمؤيدون لإسقاطه وهم الغالبية يرونه سيفا مسلطا على رقابهم، أما الداعمون له من السائرين فى ركب الحكومة فيعلقون الآمال عليه فى تطوير الأداء الحكومى.
فى هذا السياق لا يمكن إغفال توافر الإرادة السياسية، الرامية لإنقاذ البلاد من الفوضى التى اجتاحت الجهاز الإدارى وكرست لمنظومة الفساد، لكن أنا وغيرى لدينا قناعة أن القانون بصيغته الحالية كارثى ولا يحقق العدالة أو يساوى بين الموظفين فى القطاع الإدارى «الخدمى» للدولة، فضلا عن عدم طرحه للنقاش المجتمعى، خاصة شريحة البسطاء من الموظفين الذين استهدفهم القانون، فتجاهلهم يعنى أن النية مبيتة لدهسهم دون رحمة، لأنه صنع فجوة كبيرة فى الدخول والمزايا.
التشريعات تخرج مجردة عن الأهواء ويتم تطبيقها على الجميع دون استثناءات لأفراد بعينهم أو فئة بعينها أو جهة حكومية بعينها، فالقانون بحكم الواقع ولد مشوها ولا يقوى على الإصلاح أو مقاومة الفساد، لذا لم يستطع وزير التخطيط أشرف العربى تطبيقه على العاملين بوزارة التخطيط ذاتها فى أعقاب تظاهر العاملين بها، رغم أنه صاحب القانون وهو الذى مرره على الحكومة وأقنع الرئاسة بأنه لن يمس الفئات التى يطبق عليها، وجرى تسويقه على أنه يساهم فى زيادة دخولهم، الأمر الذى طرح العديد من علامات الاستفهام.
لأننا لسنا فى المدينة الفاضلة فإن القانون يخلق طبقة من «الشماشرجية» والمنتفعين داخل المؤسسات الحكومية، عبر الإبقاء على أصحاب المواهب فى النفاق والتطبيل وفئة «البصاصين» والمحاسيب وتصعيدهم إلى الصدارة، فمثل هذه النماذج يفعلون ما فى وسعهم لإرضاء رؤسائهم من أجل الترقى ودس المؤامرات للتخلص من الكوادر المدربة بحجج مشحونة بالانتقام، فالسلطات المطلقة التى منحها القانون للقيادات فى المصالح الحكومية تساهم فى المحسوبية والمجاملات وخلق مناخ ملائم لتكريس قواعد الفساد بدلا من القضاء عليه، منها سلطة توقيع الجزاء من الرئيس المباشر، فضلا عن عدم محو الجزاء من ملف الخدمة إلى جانب عدم مراعاة البعد الاجتماعى، فالقانون يشتت ملايين الأسر ممن يتم ندب أفرادها إلى مناطق مختلفة بهدف لم الشمل. 
التساؤلات التى تدور فى أذهان الكثيرين وأعتقد أنها بعيدة عن أذهان القابعين خلف الكراسى الوثيرة.. لماذا؟ لم يتم تطبيقه فى بعض الوزارات مثل الكهرباء والبترول والشركات التى نظن أنها مملوكة للشعب ممن يتقاضى العاملون بها مبالغ هائلة تثير غضب نظرائهم فى القطاع الحكومى الخدمى مثل المحليات والصحة والتعليم، ممن حصلوا على نفس المؤهلات... هل البترول ملكا للعاملين بهذا القطاع.. هل آل إليهم عن طريق الميراث من ذويهم فصار حقا شرعيا لهم دون غيرهم من بقية الشعب المطحون حتى النخاع.. أم أن هذه الثروات ملكا للشعب كله وتحتاج إلى تطبيق مبدأ العدالة لإزالة الفوارق؟. 
لذا أقول للرئيس، أعلم يقينا، كما يعلم بقية المصريين أنك عقدت العزم على التخلص من الفساد وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية للنهوض بهذا البلد.. ومن منطلق هذه القناعة أرجوك لا تسمع لوزراء المكاتب المكيفة ومستشاريهم، ولا تصغى لرؤاهم فى الإصلاح، لأنهم لا يجيدون فهم الأبعاد السياسية لقراراتهم ومشروعات القوانين التى يقدمونها.. صدقت الحكومة عندما قالت «لن يضار موظف فى دخله»، والحقيقة التى يعرفها القاصى والدانى أن القانون، ساهم فى تنامى الغضب، جراء العبث فى الرواتب والحوافز، فضلا عن أن بعض الوزراء يتعاملون مع القضايا الشائكة على طريقة المنجمين والمشعوذين، ممن أدمنوا الكذب والخداع عبر رسم صورة وردية مغايرة للواقع. هؤلاء يعلمون أن الإرادة السياسية توافرت للقضاء على منظومة الفساد، فعملوا على إصدار القرارات والقوانين مسايرة لمطالب المنظمات الدولية وليس مراعاة للأوضاع الداخلية، فإذا تصادف أن أصابوا، نالوا الاستحسان، أما إذا فشلوا، فالأمر لن يتعدى حدود الانتقادات. وفى كلا الحالتين يصدق عليهم القول «كذبوا ولو صدقوا»!!
فهؤلاء دسوا المعلومات المغلوطة لأجل البقاء فى مواقعهم وإثبات أنهم الأجدر فى تقليل عجز الموازنة.. أما العدالة الاجتماعية حسب فهمى المتواضع فهى تقليل الفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد، فلا يجوز الحديث عن النهوض بالأوضاع الاجتماعية والقوانين التى تصدر تزيد الفقراء فقرا، أما المنافع فكلها تذهب لفئات معينة داخل المجتمع لمجرد أنهم عينوا بالوساطة فى وزارات وهيئات، كان يقف على قمتها المقربون من دوائر الحكم فى فترات سابقة فحصلوا على الامتيازات والمنافع، خاصة إذا علمنا أن موظفى الجهة الواحدة لا يتعاملون ماليا بطريقة واحدة، فضلا عن عدم القدرة على مراقبة الشللية وجماعات المصالح التى تحصل على كافة الامتيازات.
أكاد أجزم حسب ما لدى من معلومات، أن بعض المحظوظين يتوجه للخزينة مرة أو مرتين فى اليوم الواحد للحصول على هبات كبار المسئولين فى الضرائب والجمارك والتأمينات، ويتم صرفها تحت مسميات مختلفة، فى الوقت الذى لا يحصل زملاؤهم، إلا على المرتب والحوافز الممنوحة للجميع. 
وزير المالية هانى قدرى اكتفى باعتماد الطلبات الواردة إليه بالمزايا من المصلحتين «الضرائب الجمارك» دون تمحيص فى محتواها لمعرفة «الهليبة» القريبين من علية القوم فى الجهتين المعنيتين بتحقيق خطة الدولة من الموارد السيادية. 
إن مفهوم العدالة الاجتماعية لا يتجزأ ولا يحتمل المواءمات السياسية، فتطبيق العدالة يحتاج إلى جرأة جراح حسم قراره فى بتر الورم قبل أن ينتشر ويتنامى داخل الجسد، فالبتر حسب ظنى سيلتف حوله الشعب بأكمله، فالغضب من تفاوت الدخول مكتوم داخل النفوس.