رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رعد الشمال.. وداود الشريان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أقدر وأحترم الكاتب والإعلامى السعودى داود الشريان، وأعلم قدر محبته لمصر، وهو أمر مهم وضرورى إدراكه قبل تناول ما جاء فى مقاله بجريدة «الحياة» اللندنية يوم الثلاثاء ٢٦ يناير (كانون الثاني) ٢٠١٦، الذى اختار له عنوانًا موحيًا «أضعف الإيمان.. مصر والسعودية وحرب اليمن»، والذى عبر فيه بشكل واضح (فى ختام مقاله) عن عدم الرضا من حجم مشاركة الجيش المصرى فى الحرب التى تخوضها المملكة فى اليمن ضد عصابات الحوثي، حيث قال: «الحال فى اليمن اليوم مختلف، فالحرب على الحوثى هى دفاع عن بلد عربى من أطماع دولة أجنبية، وهو يتطلب تحركًا مصريا بمستوى موقع مصر فى حماية الأمن القومى العربي». 
واستوقفنى كثيرا فى مقال كاتبنا المخضرم، استشهاده فى جزء كبير من مقاله بمقال آخر نشرته صحيفة «الحياة» قبل شهور للكاتب الصحفى اللبنانى عادل مالك أعاد فيه نشر حوار قديم أجراه مع الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز، قبل نصف قرن ونشر فى جريدة «النهار» اللبنانية، فى ١ سبتمبر (أيلول) ١٩٦٤.
وفى المقال «الحوار»، كما نقله الشريان والذى كان بعنوان «لقاء مع الملك فيصل قبل نصف قرن عن اليمن»، يسأل عادل مالك، الملك فيصل: «بعد سنتين من قيام حرب اليمن، والمضاعفات الخطيرة التى طرأت عليها، ما موقفكم من هذه المشكلة؟ وما الحل فى رأيكم؟»، فأجاب الملك فيصل: «حرب اليمن لليمنيين، وحلها بين اليمنيين أنفسهم فى فئاتهم المتناحرة المتقاتلة، فما لنا نحن ولهذه المشكلة؟ قلناها مرارًا وأقولها اليوم: لا علاقة لنا البتة بالمشكلة اليمنية! وتسألنى عن الحل؟ إنه مرتبط بالوجود المصرى فى بلاد اليمن، أما الحل الذى اقترحناه فيما مضى فهو انسحاب كل الجيوش الأجنبية من اليمن، وإفساح المجال للمواطنين اليمنيين ليقولوا الكلمة فى حركة المصير!».
وعلامة التعجب الأخيرة من عندي، وسببها دهشتى من نشر هذا الحوار، وسؤالي: لمصلحة مَن وفى هذا التوقيت؟ لا أشكك فى النيات، لكن قراءة كاملة لحوار الملك السعودى الراحل ستزيد حيرتك ودهشتك واستفهاماتك، مَن المستهدف من إعادة النشر؟ وإعادة إعادة النشر؟ هل المصريون أم السعوديون؟
لقد قرأت أصل مقال مالك فى حينه، وطرحت دهشتى من نشره على أصدقاء وزملاء من المهتمين بالشأن العربي، شاطرنى معظمهم الدهشة، وكلنا لم نفهم سر إعادة نشر الحوار التاريخى للملك فيصل رحمه الله، ثم أن يعود ثانية وينشره كاتب بحجم وقدر الشريان، فإن الأمر يصبح لغزًا كبيرًا يحتاج إلى «كونسلتو سعودى مصري» لحله.
وحل اللغز ربما تكمن صعوبته فى قيمة وقامة أستاذنا الشريان، الذى رغم إشادته بالموقف المصرى من عاصفة الحزم، ووصفه بأنه شكل دعمًا سياسيا كبيرًا للمملكة، وتأكيده أن له أصداء مهمة عربيا ودوليا، عاد وقال: «لكن المشاركة المصرية ظلت دون تطلعات البيان الأول، ما خلق انطباعًا لدى طهران بأن القاهرة أصبحت خارج حسابات هذه الحرب».
ولن أعلق أكثر من ذلك على المقال السابق ذكره لأن ما يحويه من تناقضات يحتاج تفنيده إلى مقالات، وسأكتفى برد آخر أكثر عملية. ومن «المفارقة التاريخية» أن هذا الرد سبق مقال الشريان بيوم واحد، حيث وصلت إلى المملكة، الإثنين ٢٥ يناير، طلائع القوات المصرية المشاركة فى التدريب المشترك «رعد الشمال»، الذى تستضيفه المملكة العربية السعودية، وبمشاركة عدد من الدول العربية والإسلامية، والذى تجرى مناوراته العسكرية فى منطقة حفر الباطن السعودية، وقد وصف خبراء عسكريون هذه المناورة العسكرية المهمة بأنها رسالة تحذير صريح لإيران وأذرعها بالمنطقة، إذ إن تلاحم الجيشين العربيين الكبيرين فى هذا التوقيت ليس فقط لدعم الموقف السعودى عقب جريمة حرق وإتلاف سفارة المملكة فى طهران، مطلع هذا الشهر، ولكن أيضًا، وبحسب ما قاله وزير الدفاع المصرى الفريق أول صدقى صبحي: «إن ما تشهده المنطقة من متغيرات حادة وتهديدات مباشرة وغير مباشرة يستلزم التكامل والتعاون المشترك بين كل الدول الشقيقة لإرساء دعائم الأمن والاستقرار فى المنطقة»، وأكد القائد العام للقوات المسلحة المصرية فى توديع قواته المغادرة إلى المملكة قائلا: «إن التدريب (رعد) يعد نموذجًا للتضامن والتعاون والعمل العربى المشترك لدرء المخاطر والتحديات التى تواجه منطقتنا، وبما يحقق المصالح القومية والعربية المشتركة».
«رعد الشمال» رسالة تحذير واضحة وحاسمة لكل الطامعين فى المنطقة، تؤكد على تماسك بنيان العلاقات بين مصر والسعودية، وقد يكون أفضل ما نختم به المقال وننهى به «يناير» المشتعل.. شهر الثورة المصرية، أن نردد على طريقة هتافاتها الشهيرة التى حفظها العالم: «مصر والسعودية.. إيد واحدة».