الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يناير.. ما لها وما عليها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ خمس سنوات، وفي مثل هذا اليوم، اشتعلت الشرارة، لتجد طريقًا سهلًا، نحو الوصول للهشيم، فالوطن عليل، والنظام تضخمت ذات أركانه، والرئيس أنهكه طول البقاء، والمعارضة كرتونية، و«جمال» ورفاقه يحكمون، والشعب «أرهقته الحياة»، و«الحاضر سيئ»، و«المستقل قاتم»، والمرض ينهش العظام، والأمن هو القابض، والغرب يُحرك رجاله، لذلك كانت مصر قد امتلأت، بكل أسباب الثورة. 
وبشكل عفوي وتلقائي، كانت التصرفات طبيعية، دون إضافات، هذه هي الصورة السائدة لدى كل من تواجد، فـ«حسن النوايا»، و«إحسان الظن» كانتا هن العلامات الفارقة لأغلب من شارك، في حب الوطن، لا مكان للمزايدات، فالكل على قلب إنسان واحد، في مفهوم، يشكل وحدة البقاء والمصير، لذلك كان ممنهجًا عدم وجود قيادة للتحركات، لتصبح القيادة للأهداف، ورغم ذلك، هناك من بيده خيوط اللعبة، ويدير التحركات، لكنه خارج إطار المشهد، مما مكنه من التحكم، في الحدث بقدرة أكبر وأشمل.
واصلت التظاهرات مسيرتها على مدار ثلاث أيام، وتبدل الحال في يومها الرابع، لتنحرف عن مسارها، بعدما تحولت من موجة احتجاجات إلى ثورة، لا تسعى إلى إسقاط النظام فقط، بل هوت في بئر إسقاط الدولة، وحرق منشأتها، طبقًا للمخطط الأمريكي الرامي إلى تقسيم الشرق الأوسط، لدويلات، وتفكيك جيوشه، لتعم الفوضى الخلّاقة، التي تحدثت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندا رايس، لذلك تخلت يناير عن المقصد النبيل، والهدف الأسمى والأعظم، دون قصدٍ من الشباب المشاركين، لأن ليس كل من شارك في الثورة خائن، وليس كل من دعا لها وطني.
واستمرت يناير في مسيرتها التي خرجت إدارتها من مصر، وتخلى العالم عن مبارك الذي كان يمكنه الاستمرار والحفاظ على عرشه، وضمان وصول نجله لرأس السلطة حال رضوخه وقبوله بتقسيم الشرق، ولأن الغرب يتمتع بعبقرية كيفية استخدام الوقت ومفهوم التوقيت، تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في السابع من فبراير، ليقول جملته الشهيرة "إن مصر لم تعد كما كانت، وعلى مبارك الرحيل الآن، وقد حان وقت التغيير في مصر، now"، وهو ما قابله معسكر التحرير بالترحيب والتهليل، بعدما انحازت لهم الإدارة الأمريكية، وفي نهاية اليوم الثامن عشر، استطاع القطار الوصول إلى محطة الإطاحة بمبارك وإسقاط دولته.
وفي أحد اللقاءات التي جمعتني بقيادة مرموقة، بأحد الأجهزة السيادية والمقرب من السلطة آنذاك، أكد لي الرجل أن مبارك أراد رؤية ميدان التحرير ليس من خلال الكاميرات للوقوف على الحقيقة، وكانت المهمة صعبة، إلا أنه أصر، فما كان إلا إعداد خطة لذلك، وفي ظهر يوم الخميس 10 فبراير، حلقت ثلاث طائرات، واحدة تلو الأخرى، فوق الميدان، وكان الرئيس في الثالثة، ليشاهد بنفسه مخيم التحرير الذي تحول إلى ثكنة ثورية، حينها، وهو فوق الكعكة الحجرية أدرك مبارك بخبرته العسكرية حتمية الرحيل؛ لإنقاذ هذا الوطن مما يحاك له من شرور الفتن، وهو ما كان في 11 فبراير.
الحياة الكريمة، والمساواة، واحترام القيم الإنسانية، كانت تلخّص مطالب ساكني الميدان، حقًا الأهداف نبيلة، ولكن الأوطان لا تنتصر بالشعارات، ولا بكلمات تُكتب، فالوطن له حقوق، وحمايته واجبة، والدفاع عنه مقدس، والوقوف في وجه أعدائه شرف.
لم يدرك أغلب هؤلاء أن دعوات إسقاط الأنظمة القمعية في الدول العربية، تفككت على صخرتها جيوش، وتساقطت أمامها عواصم، وانهارت على أعتابها اقتصاديات، وبها تشردت شعوب، وسالت الدماء، لتتوقف عند إقامة المقابر الجماعية بعد أن تحولت الأوطان إلى ذكرى، ولولا تدخل الجيش وتحمله المسؤولية لأصبحت مصر ذكرى في الجغرافيا. 
وعاد الشباب لحياته مرة أخرى بعد مشاركتهم في الثورة الحضارية التي تآمرت عليها قوى الشر، وظل بعض منهم يناضل من أجل الانتصار لأفكاره التي لا تتوقف عند قيم ضياع الوطن، يدعمهم في ذلك مندوبين الخارج بالداخل من تجار وسماسرة هدم الأوطان، ومن مفارقات القدر أن تجد هؤلاء المليارديرات، من الذين لم يعش بعضهم في مصر أساسًا يتحدثون في الفضائيات المملوكة لهم باسم الشعب الكادح وعن آمال وأوجاع الفقراء الذين ازدادوا فقرًا بتضخم ثرواتهم.
في المقابل تقدم معارضي الثورة من الشعب خطوة للأمام، أعلوا من قيمة الوطن على قيمة انحيازاتهم الشخصية، يتمتع هؤلاء بتراكم الخبرات، ومن منطلق "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"، بدأوا مدركين جيدًا أن الناجحين لن ينجحوا وهم جالسون ينتظرون النجاح، وإنما يصنعونه بالعمل والتفكير والحب واستغلال الفرص، والاعتماد على ما يحققونه بأيديهم، مهما بلغت البدايات من صعوبة، لذلك حالفهم النصر ونجحوا في مهمة إنقاذ الدولة. 
ولأن الثورات لا تنجح إلا بالنتائج، لم نجنى من الثورة أو المؤامرة أو الثورة المضادة سوى التخريب وحرق المنشآت وانهيار الاقتصاد، وإرهاب يستهدف ضرب أمننا القومي والشخصي ودماء تنزف، ذلك ما يجعلنا نقر ونعترف أنه مهما أوتينا من بلاغة وبراعة الكلمة والإسهاب في وصف مؤسسة عظيمة كمؤسسة قواتنا المسلحة ودورها في الحفاظ على مصر، فإننا لا شك سنبدو عاجزين مقصرين، حقًا، كنا نتمنى أن يحكم مصر قائد بطل، فأعطانا الله أكثر مما نتمنى، رئيس إنسان.