الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"والله العظيم أنا بلبس عباية"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بصوت مكسور يعبر عن روح مهزومة، قالت الفتاة مربية الأجيال، التى لم تتجاوز الثالثة والعشرين من عمرها. وهى المجنى عليها، وقد تحولت إلى متهمة تدافع عن نفسها، وكان دفاعها لا يتجاوز حدود الجسد لأنها أنثى تحمل هذا الجسد كوثيقة اتهام على ظهرها: «أنا والله العظيم بلبس عباية وحرمت نفسى من كل اللبس اللى بتلبسه البنات اللى فى سنى».
الجريمة وقعت منذ أيام، وهى أن مدرسة فى إحدى مدارس طلخا بمحافظة الدقهلية قامت بواجبها ومنعت التلاميذ من الغش أثناء الامتحان، وعقابا لها، أو هكذا رأى صبية لم يتجاوزوا مرحلة الطفولة، قاموا بمحاصرتها وتمزيق ملابسها وبأياديهم وأظافرهم نهشوا ما طالوه من لحمها، فى محاولة واضحة ليس للتحرش بها ولا حتى اغتصابها، ولكن لكسرها بالاعتداء على جسدها.
فهؤلاء الصبية تعلموا أنه لا يكسر المرأة إلا إهانة جسدها. عصابة ممن يسمون بالطلبة كانوا فى موقعة عمل خسيس منظم، البعض منهم يمزق الملابس، والبعض ينهش اللحم، والبعض يتحرش أو يحاول الاغتصاب، والبعض يلتقط الصور. الكارثة أن تكالب هذه الوحوش عليها لم يجد لدى أحد من أسر هؤلاء الصبية عديمى التربية والأخلاق إلا تعليقًا من والد أحدهم، وهو أيضا مربٍ للأجيال الذى أفتى مبررا الجريمة بقوله فى أحد البرامج الفضائية، واصفا وجود المدرسة بأنه خطأ أن يتم تعيين فتاة فى الثالثة والعشرين من عمرها للتدريس لطلبة فى المرحلة الثانوية، ومعنى هذا الكلام أن طلبة هذه المرحلة مجرد حيوانات جنسية لم تتلق التربية السليمة أو لم تتلق أى تربية، ووجدوا من يبرر لهم.
لن نتحدث عن كرامة المعلم ومكانته فى سنوات غابرة، ولن نتحدث عن أناقة المدرسات فى زمن كانت الأناقة فيه والرقى مظهرا وملبسا ولغة، ولكننا نتحدث هنا عن انهيار أخلاقى لا يتم التعامل معه بجدية، فنجد عند عقاب أمثال هؤلاء آباء يتظاهرون أمام المدارس، ونجد فى الوقت نفسه مؤسسات دولة ترتعش فور أن تسمع أول هتاف من أولياء الأمور، أو ترى أول تجمع لهم، فتسقط العقوبة عن صبية لم يتلقوا تربية فى بيوتهم.
لم تكن واقعة مدرسة طلخا هى الواقعة الوحيدة التى قام فيها صبية بمثل هذا الفعل الخسيس. ففى واحدة من مدارس محافظة الجيزة ولنفس السبب (منعت مدرسة هؤلاء الفشلة عديمى التربية من الغش) فقاموا بالتكالب عليها كالوحوش ومزقوا ملابسها وانتهكوا جسدها بنفس العنف، وكان موقف الدولة ممثلا فى المسئول بالإدارة التعليمية أن توجه فى اليوم التالى للواقعة إلى المدرسة وربت على كتف الطالب قائلا: «ليه تعمل كده يا حبيبى، ما تعملش كده تانى». يحدث هذا مع كائنات أوشكت على مغادرة سن الطفولة، مسئول عنها أسر وآباء وأمهات ولا يجدون من يعاقبهم، وبينما القانون يعاقب صاحب الكلب إن عقر أحدا فإنه لا يعاقب أولياء أمور شباب سئمنا من ترديد أنهم هم مستقبل هذا البلد. فأى مستقبل فى بلد شبابها مثلهم الأعلى مستمد من مرسى الزناتى وبهجت الأباصيرى فى المسرحية الكارثة مدرسة المشاغبين الذين سبق أن مزقوا ملابس معلمتهم فى تلك المسرحية منذ أربعين عاما تقريبا.
متى ستتوقف الدولة ومؤسساتها المعنية أمام هذه الظواهر، أمام ثقافة ترسخت فى عقول الشباب وترجمت فى سلوكهم تجاه مدرساتهم؛ مفادها «إن أردت أن تكسر امرأة انتهك جسدها». فهؤلاء تعلموا أن جسد المرأة مباح وأنها كائن مستباح فهل مثل هؤلاء يستحقون رحمة أو شفقة أو تعاطفا، هم ومن ربوهم؟. هؤلاء الذين يبدأ انحطاطهم دون رادع باستخدام أحط الألفاظ البذيئة حتى الاعتداء الفج والخسيس على مدرساتهم. 
القضية ولأنها تتعلق بمستقبل هذا الوطن أخطر من أن تترك هكذا، وعلى الدولة أن تتحمل مسئولياتها المتعلقة بمنظومة التعليم المنهار والإعلام المتفسخ والثقافة المتدنية، فلا مستقبل بدون تطبيق القوانين الرادعة ولا مستقبل لوطن هؤلاء شبابه.