رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العالم يلعق الحذاء الإيراني.. والعرب يمتنعون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم كل شيء، أعلنت أمريكا وأوروبا بدء رفع العقوبات عن إيران تفعيلًا للاتفاق النووى بين إيران ومجموعة «٥+١» الذي وُقّع في يوليو الماضي، عقب إعلان وكالة الطاقة الذرية التزام طهران بتنفيذ الخطوات المطلوبة منها. لتُطوى بذلك صفحة طويلة من الصراع بين واشنطن وطهران، ويبدأ عهد جديد لعلاقاتهما معًا، ومع المنطقة، إيذانًا ببدء تفعيل المشروع الأمريكى «الشرق الأوسط الكبير»، بانضمام تركيا وباكستان وإيران وقبلهما إسرائيل إلى الفضاء العربى التقليدي، الذي كان قديمًا من المحيط إلى الخليج العربي، والذي سيصبح لا محالة «فارسيًّا» باعتراف دولى ورضوخ عربي.
ربما كانت الترتيبات الجديدة التي خططت لها الإدارة الأمريكية مسبوقة بعقدة مزمنة سببها الغزوة العسكرية الفاشلة للعراق، هي ما دفعت إدارة أوباما لترتمى على «العتبات» الإيرانية، وتبذل كل الجهد لإنجاح تفعيل «الاتفاق النووي»، رغم ما واجهه من عثرات، لن يكون آخرها تجارب الصواريخ البالستية.
فقد شهد النصف الأول من يناير حدثين كبيرين، تعاملت معهما الإدارة الأمريكية بـ«برود أعصاب إنجليزي»، كان أولهما التصعيد الإيرانى الخطير ضد السعودية، ثم احتجاز الحرس الثورى الإيرانى لعشرة أفراد تابعين للبحرية الأمريكية، وفى الوقت الذي اندهش فيه العرب من «غض البصر» الأمريكى عن حرق السفارة السعودية، تضاعفت هذه الدهشة وهم يرون صورًا «مهينة» للبحّارة الأمريكيين المحتجزين لدى إيران، وهم مجرّدون من أسلحتهم ورافعون أيديهم خلف رءوسهم، في مشهد مثير.
ولقراءة طالع العلاقات بين الحليفين الجديدين، يمكن أن نلاحظ ما كتبه فرزين نديمى المحلل المتخصص في الشئون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج العربى، في تحليله السياسي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حيث قال بعد أن شرح دور الحرس الثورى الإيرانى وطبيعة علاقته بالنظام الحاكم في طهران: «أصبحت التوتّرات مرتفعة بين الولايات المتحدة والقوات البحرية في الحرس الثوري. ولمنع أي تصعيد إضافي، ينبغى على الدولتين التصرّف بحكمة. ورغم أن إيران رفضت ذات مرة فكرة إنشاء خط ساخن مع البحرية الأمريكية لمثل هذه الظروف، فإن الوقت الحالى قد يكون هو المناسب لإعادة النظر في هذا الخيار».
ومن يعرف طبيعة الشخصية الأمريكية، سيدرك أننا أمام قصة حب في مرحلة التصاعد المتوتر، ولن يكون مفاجئًا تحوُّلها لحالة عشق فريدة بين الحضارتين الأمريكية والفارسية، ستثمر تزاوجًا يشوبه الخلاف الظاهري، لكنه في أعماقه سيكون ارتباطًا وثيقًا مدفوعًا بحقائق المصالح المتنامية بين الدولتين.
ويبرر أصحاب سياسة «لعق» الحذاء، اعتقادهم بأن ذلك يعطى دعمًا إضافيًا للإصلاحيين في طهران، لمواجهة أطراف متشددة ما زالت تنظر بحذر لعودة العلاقات بين بلادهم والشيطان الأمريكي، ولعل هذا ما أكده المرشد الإيرانى الأعلى آية الله على خامنئى بعد ساعات من رفع العقوبات عن بلاده، في إطار تنفيذ الاتفاق النووي، عندما حذر من «الغفلة» عن «خدع» الولايات المتحدة، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
ونأتى لأهم ملامح المرحلة الجديدة التي بدأت تتشكّل، وهى تخلى أمريكا جزئيًّا عن حليفيها التقليديين؛ السعودية ومصر، والابتعاد عنهما بمساحة تسمح لها بأن تكون حكمًا بين كل أطراف المنطقة، ويبقى لإسرائيل حماية خاصة كالعادة، وتنطلق إيران بقوة دفع كبيرة بعد رفع العقوبات عنها لتشغل الفراغ الذي سيخلفه انسحاب الدور الأمريكى من المنطقة - ولنا في العراق تجربة مشابهة ومريرة - وتدخل المنطقة في حقبة عبثية، وتصبح دولها أمام معركة مفتوحة وقودها الدين الإسلامى بكل مذاهبه.
ولعل من المفارقات أن يجتمع العرب في القاهرة قبل أسبوع للتنديد بالإرهاب الإيرانى تجاه السعودية ودول الخليج، وبحث سبل مواجهة أخطارها في المنطقة، في الوقت ذاته الذي يفتح فيه الغرب أبوابه على مصاريعها لـ«الحجاج الإيرانيين» من رجال الدولة والأعمال، بل وتستعد فرنسا وإيطاليا لاستقبال الرئيس الإيرانى روحانى بحفاوة نهاية هذا الشهر.
بطبائع الأمور وحقائق الصراع لا يمكن أن تناسبنا الحيلة الأمريكية في ترويض المارد الفارسي، الذي يستعد للخروج من قمقمه، فأزمتنا الحقيقية مع إيران - ومع إسرائيل أيضًا - التي قد يتغافل عنها عدد ليس بالقليل من مفكرينا ومثقفينا ومحللينا العرب، هي أن الصراع.. صراع وجود، حتى لو قبلنا نحن التعايش السلمي، فالآخر لن يقبلك.. فوجوده مرتبط بفنائك.
وتبقى الحقيقة الخالدة.. «البقاء للأقوى»، وقوة هذا الزمان ليست عسكرية فقط، بل إن الدبلوماسية أصبحت تمثل ركيزة مؤثرة في معظم الصراعات الدولية، وبزغت القوة الناعمة في الإعلام والفنون والدين، كأهم آليات المواجهة في هذه المعركة الحضارية.
ولن أملّ من تكرار التأكيد على استمرار التحالف والاندماج والانسجام المصرى السعودي، وقبلها تماسك الداخل في الدولتين حول قيادتهما، بما يدعم الاصطفاف الداخلى والخارجى للدولتين، ويمكّنهما من استقطاب المترددين من دول المنطقة، حول أفكار وخطط واضحة لهذه المواجهة الحتمية «وسأكون متفائلًا وأسميها المنافسة العربية - الإيرانية».
وأخيرًا، فإن أقوى سبل الردع في امتلاك القوة، وأيسر الطرق للقوة في الاتحاد، ولا مجال للفشل، لأن خسارة المعركة أو المنافسة قد تسلِّمنا إلى مصير أشقاء آخرين سبقونا إلى هاوية التشرذم والانقسام.
كفانا الله وإياكم شر الطامعين، وحفظ بلادنا.