السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وأنت في طريقك إلى داعش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خبر تعجز اللغة عن وصفه، وتعجز أيضا عن وصف وقعه على عقل وقلب من يتلقاه. الخبر هو قيام داعشى بإعدام أمه علنا فى سوريا. الشاب البالغ من العمر عشرين عاما قتل أمه دون أن يتذكر يوما سهرت فيه بقلب يرتجف خوفا عليه فى مرضه، لم يتذكر أنها عاشت فرحة عمرها مع خطواته الأولى المرتبكة التى كان ينخلع قلبها معها خوفا عليه من السقوط. عشرون عاما عدت أيامها على أصابع يديها، منذ شعرت بنبضات قلبه الأولى فى أحشائها.
ابن عمرها الذى علمته أولى الكلمات، وضحكت حتى دمعت عيناها وهو يردد كلماته الأولى المتلعثمة. ابن عمرها قدم حياتها قربانا تقربا لسفاحين.سفاحون مسكونون بالكراهية والغل والحقد، دفعها خوفها على ابن عمرها لأن تطلب منه ترك عصابة القتلة المسماة بداعش والنجاة بنفسه بالخروج من الرقة فى شمال سوريا. قلب الأم الذى لا يهدأ مسكون بالخوف على ابن عمرها فهى التى تخاف عليه من نسمة الهواء الطائر أن تصيبه بما يؤذيه. خائفة عليه من صوت الرصاص وهدير الطائرات. قلبها يرتعش خوفا عليه من مصير تعلم أنه المصير الذى لا تقدر على تحمله.
رجته أن يهربا معا أو أن يهرب بمفرده وبحياته إلى الحياة، بعيدا عن رائحة الدم والجثث والوجوه الكئيبة والقلوب الغليظة التى لا تعرف سوى القتل. رجته وتوسلت إليه أن يهرب بحياته إلى الحياة التى تنتظر أعوامه العشرين ليعيش أيامه مثل من هم فى عمره، يبنى المستقبل بعيدا عن أنقاض الماضى التى يعيش فيها مع التنظيم القاتل.
ولأن القتلة استلبوا عقله ودمروا إنسانيته أبلغ الشاب الداعشى «الهيئة الشرعية» التابعة لتنظيم داعش عن أمه، وبقلب يضخ خسة فى عروقهم بدلا من الدم، وبعقل سجين الكراهية، قام التنظيم باعتقال الأم وقد اتهمتها العصابة بـ«الردة». اعتبر أمه كما لقنوه مرتدة. لم يتذكر أنها أول من علمه فاتحة الكتاب ومن علمه الصلاة وهو طفل لا يعرف كيف يتوضأ، وهى التى احتفلت بأول صيام له. وهى التى راقبته وهو يؤدى الفروض. اتهم أمه بالردة، هكذا لقنه القتلة الإرهابيون سفاكو الدماء.
«أمك مرتدة». تلقى الاتهام بعقل غائب وروح ضالة، ولم يسأل نفسه مرتدة عن ماذا، فقد توقف عقله عن التفكير، وتلوثت روحه. لم يسال لأنهم علموه أن القاتل البغدادى هو الدين الإسلامى، وأن أتباعه القتلة هم حماة الدين. استلبوا عقله وروحه وانتزعوا الرحمة من قلبه حتى أصبح عنده وعندهم أن الخروج على البغدادى والإرهابيين الدواعش هو الردة.
ولأنها ارتدت عن دين داعش والبغدادى قام الشاب بإعدام أمه رميا بالرصاص فى ساحة عامة، على مرأى من مئات العيون التى رأت يد الابن وهو يضغط على الزناد، ورأت دم الأم وهو يتدفق من فتحة الرصاصة، ورأت جسدها يتهاوى ويسقط على الأرض. قتلها فى ساحة عامة حتى يسمع الجميع صوت الرصاصة، وهى تنطلق وصوت عظام صدرها وهى تتفتت، وحتى تصاب القلوب بالفزع وتسكن الرهبة الصدور، وحتى يسمعوا صرخة الأم التى ربما كان طلبها الأخير من الله أن يسامحه ويهديه. هل نظر فى عينيها وهو يطلق الرصاص عليها؟ هل مرت سنواته أمامه وأيام عمره التى عاشاها معا؟.
هل علم الشباب الذى يعد العدة الآن منطلقا للانضمام لداعش، هذه الجريمة التى ارتكبها تنظيم القتلة بيد ابن ضد أمه؟ هل فكروا قبل أن يودعوا أمهاتهم وهم فى طريقهم لهذا المستنقع أن الدين الإسلامى ليس هو داعش. أنتم يا من تعدون العدة لتنطلقوا للانضمام إلى داعش، انظروا فى عيون أمهاتكم واعلموا أن أما قتلها ابن عمرها بقواعد الدين الذى يؤمنون به فى المنظمة الإرهابية.