الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فتنة "هشام جنينة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا ينكر أحد مهما كان مجافيا للواقع، أن الفساد تجاوز حدود الظاهرة وأصبح يشكل جزءا من ثقافة وسلوك غالبية المصريين عبر عدة عقود مضت، يمارسونه تحت مسميات مختلفة «مجاملات وساطات رشاوى فهلوة استغلال نفوذ تسهيل الاستيلاء على المال العام».. لذا فإننا جميعا نقر ونعترف بوجوده، نتخوف من مخاطره وتداعياته، فهو الذى أوصل البلاد لما وصلت إليه من ترد فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
هذه الحقيقة الساطعة مثل الشمس، تجعلنا نقف صفا واحدا وراء المستشار «هشام جنينة» لإعلان الحرب ضد الفساد والمطالبة بمحاكمة الفاسدين أيا كانت مواقعهم، إن كانت تصريحاته التى أدلى بها حقيقية، ولا تحمل أغراضا سياسية هدفها إثارة الغضب فى أوساط الرأى العام وتحريض المنظمات الدولية.
لو اتفقنا جميعا على تلك المبادئ الرامية لمحاربة الفساد ومواجهة العبث، سنضع حدا للهياج الإعلامى والنخبوى المصاحب لتصريحاته، التى قال فيها إن فاتورة الفساد فى مصر، بلغت ٦٠٠ مليار جنيه خلال الفترة الأخيرة.
هنا لابد من التوقف قليلا حتى لا نتوه فى زحام الخناقات المشتعلة حول التشكيك فى مصداقية «جنينة»، وحقيقة الأرقام التى أدلى بها والشعارات التى أطلقها ومدى قناعته بها.
أولا: هذه المبالغ الضخمة لا يقبلها العقل ولا تتسق مع المنطق، خاصة إذا علمنا أن حجم الموازنة العامة لايزيد على ٨٠٠ مليار جنيه، نصفها يذهب للأجور وسداد فوائد الديون، والنصف الآخر للدعم والخدمات والاستثمار.
فمن أين جاء بهذه الأرقام الضخمة والمفزعة؟.
ثانيا: رئيس الجهاز الرقابى يعلم خطورة وتداعيات التصريحات التى أدلى بها على سمعة الدولة، باعتبارها الأساس والمرجعية التى تستند إليها كافة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، مثل الشفافية والبنك الدولى، وهى الجهات التى تصنف مصر من البلدان الأسوأ فى كافة المجالات.
ثالثا: هو يعلم أن الإرادة السياسية للقضاء على الفساد ومحاكمة مرتكبيه متوافرة بالفعل، فلماذا لم يتقدم باتهامات مباشرة ضد مرتكبى وقائع الفساد والمطالبة بمحاكمتهم، لكنه تحدث فى الموضوع على إطلاقه دون تحديد للمسئولين عن جرائم الفساد.
على خلفية التصريحات أمر رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تقصى حقائق، بهدف الوقوف على حقيقة المعلومات الكارثية، التى أثارت جدلا واسعا فى أوساط الرأى العام، وصارت مادة دسمة لوسائل الإعلام، بل ساهمت فى صناعة أزمة حقيقية لم يتوقف صداها عند حدود معينة، بل فتحت الباب على مصراعيه للتكهنات حول مرامى رئيس الجهاز الرقابى.
تقرير اللجنة المشكلة من الرئيس، كشف أن تصريحات رئيس المركزى للمحاسبات ليست صحيحة، لأنها بنيت على تقارير متراكمة عن عدد من المخالفات تمت إزالتها بالفعل، فضلا عن أنه اعتبر مديونيات قطاع البترول للشركات الأجنبية نوعا من إهدار المال العام، كما أشار إلى وجود تضخيم فى البيانات وتضليل للجهات المقدمة إليها تلك المعلومات، طبعا بما فيها رئاسة الجمهورية، إلى جانب احتساب قيمة الأراضى الصحراوية المستصلحة بالمتر على أنها أراض للبناء.
القراءة الدقيقة لأبعاد الأزمة، تشير إلى أن «جنينة» اختار طوعا أن يضع نفسه فى مرمى سهام الاتهامات، وهى كثيرة ومتنوعة منها «التضليل وفقدان المصداقية، والإغفال العمدى للحقائق، وهى جرائم إن ثبتت ستقوده للمحاكمة.
الحالة الوحيدة التى تنقذ رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات من الاتهامات المتداولة حاليا فى الأوساط الإعلامية والقانونية، هى تقديم المستندات التى تثبت ما أدلى به من تصريحات حول وجود فساد يقدر بمبلغ ٦٠٠ مليار جنيه سواء أمام البرلمان أو جهات التحقيق القضائية. فإذا لم يستطع إثبات صحة ما أورده، سيتعرض لاتهامات بالخيانة وتشويه سمعة مصر، فضلا عن اتهامات أخرى.
جميع الاتهامات إن صحت ستؤدى فى النهاية إلى عزله من منصبه وفق المادة ١٧٣ بالفقرة ب، والتى تنص على أن «يخضع رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة للقواعد العامة المنظمة لإجراءات التحقيق والمحاكمة، فى حالة ارتكابهم جرائم فى أثناء ممارسة مهام وظائفهم أو بسببها، ولا يحول تركهم مناصبهم دون إقامة الدعوى عليهم أو الاستمرار فيها، وتطبق فى شأن اتهامهم بجريمة الخيانة العظمى، الأحكام الواردة فى المادة ١٥٩ من الدستور، وهى الخاصة بإجراءات محاكمة الرئيس، وأيضا وفق قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى، رقم ٨٩ لسنة ٢٠١٥ الذى ينص على أنه «يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، إذا ثبت بشأنهم دلائل جدية على أمور تمس أمن البلاد وسلامتها، وإذا فقد الثقة والاعتبار، والإخلال بواجبات الوظيفة، والإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة».
كل تلك الأمور تنطبق على رئيس المركزى للمحاسبات، إذا لم يتمكن من الدفاع عن نفسه بتقديم الأوراق الدالة على وقائع الفساد.
إن كان «جنينة» يدرك ما يقول فهذه مصيبة، وإن كان لا يدرك فالمصيبة أعظم، وأغلب الظن أنه يدرك وله هوى، خاصة إذا علمنا أن رائحة الغرض السياسى تحيط بكافة التصريحات التى أدلى بها عن الفساد، فالتصريحات لم تحمل إدانة مباشرة لأشخاص بعينهم، لكنها جاءت يصورة عشوائية، وبالطبع لا يمكن تصور أن رئيس جهاز المحاسبات لا يعرف المعنى الحقيقى للفساد وكيفية توجيه الاتهامات، لكن إطلاقه التصريحات بصورة عمومية يهدف إلى إثارة الغضب وخلق الفتنة.
لذا يصبح من الضرورى حسم هذه القضية على وجه السرعة لمعرفة الحقيقة بغض النظر عن نتائجها، ولوقف نزيف الأزمات المصاحبة لتصريحات جنينة التى يتهم فيها بعض الأجهزة السيادية وغيرها بارتكاب مخالفات مالية دون ذكر لتلك الجهات والأشخاص المتورطين.