الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحكومة والدستور والضربات الاستباقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التضاغطات التى سبقت الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق (انتخابات مجلس النواب) أسفرت عن تركيز بعض المجموعات على ممنوعين كبيرين، وضعتاهما أمام مؤسسات الدولة متنوعة الدرجة والمستوى.
أولهما: تعديل الدستور.
ثانيهما: تغيير الحكومة.
والحقيقة أن المسألتين لا ينبغى أن تتحولا إلى نوع من (التابوهات) المحرمات التى لا يجوز الاقتراب منها تحت شعار أن الدستور لا يجب أن يمس ومداده لم يجف بعد، كما أن تغيير الحكومة يفتح الباب أمام فراغ فى السلطة، وقد يفشل مجلس النواب فى تشكيل حكومة بديلة فى الزمن المحدد دستوريا فيتعرض للحل!
وعلى الرغم من ذلك فإننى أرى أن إحاطة الأمرين بهالات الاستحالة هو نوع من إشاعة الجمود أو الشلل فى الحياة السياسية (تنفيذيا وتشريعا)، إذ أن الدستور يحتوى نصوصا تشرح طريقة (تغييره)، كما أن تغيير الحكومة هو حق لمجلس النواب حتى إن لم يوافق على البرنامج الذى ستطرحه عليه.
إذن التخفيف من وطأة الممنوع والمحرم فيما يتعلق بالدستور والحكومة هو أمر ضرورى للحفاظ على روح الدستور الذى صادق عليه الشعب فى استفتاء حر.
أصول الواقعية السياسية تخبرنا أن هناك نصوصا فى الدستور ينبغى تغييرها إذا أردنا حياة سياسية مستقرة، لأن وضع تلك النصوص جاء- أصلا- من خلال لجنة الخمسين التى فرضت فيها فصائل سياسية معينة رأيها، اعتمادا على أن مواضيع الاستفتاء لن تكون واضحة الدلالة بذاتها فى أذهان المصوتين، فلا يستطيع أحد أن يؤكد بأن بسطاء الناس خرجوا للاستفتاء على نظام برلمانى بدلا من النظام الرئاسى، فهؤلاء الناس ذهبوا إلى لجان التصويت وفى تصورهم أنهم يصوتون للسيسى أو على الأقل يدعمون سلطته، ولكن أحدهم لا يعرف عن تفاصيل ذلك الدستور شيئا، فإذا وصلنا إلى تحقيق الاستحقاق الثالث وبات لدينا برلمان يمثل الشعب، وإذا كان لدينا نص دستورى أو بضعة نصوص تحدد طريقة تعديل الدستور، يصير من الواجب علينا أن نمضى فى طريق تعديل نصوص الدستور على النحو الذى يراه نواب الشعب، وساعتها ينبغى على دعاة تحويل الدستور إلى بقرة مقدسة يدورون حولها مطلقين البخور رافعين الدعوات مستمطرين اللعنات، أن يكفوا عن توجيه ضرباتهم الاستباقية إلى أية محاولة لاستخدام الحق الدستورى فى تعديل أحد أو بعض نصوصه إذا كانت هناك ضرورة لذلك، بعبارة أخرى ينبغى على عناصر النخب السياسية خارج البرلمان التوقف عن محاولات فرض الوصاية على نواب الشعب فى برلمان الشعب.
وفى هذا الإطار، فإن ما أثاره النائب مرتضى منصور فى أثناء الجلسة الإجرائية لمجلس النواب من أنه لن يصوت إلا على (مواد الدستور)، لأن تصويته على إجمالى الدستور يعنى المصادقة على ما يسمى ديباجة للدستور، وهو أمر يوافق عليه عدد كبير من الناس وبالقطع عدد من النواب، إذ أن ما يسمى (ديباجة الدستور) هو بدعة لا معنى لها إلا محاولة حشر فكرة أن عملية يناير ٢٠١١ هى مصدر ذلك الدستور وأساسه، الأمر الذى ينبغى علينا معه الاعتراف بحق بعض الناس فى الاعتراض عليه، لا بل وعرض تلك الديباجة نفسها للتصويت بالحذف طالما أنها بدعة لا شبيه لها، والغرض منها هو دس النص المشار إليه ليصبح جزءا مما صوت عليه الناس معتقدين أن (نعم) للدستور تعنى (نعم) للسيسى.
أما فى موضوع تغيير الحكومة فله نسقان، إما أن يرفض مجلس النواب بيان الحكومة، ويعيد تكليف رئيس الحكومة الحالى بتشكيلها، وإما يرفض رئيس الحكومة كذلك ويسعى إلى تشكيل حكومة جديدة، أما إذا كان اعتراض نواب الشعب على وزير بالذات أو مجموعة من الوزراء، فإن طريقة إقالته أو إقالتهم (برلمانيا) هى توجيه استجوابات ضدهم وسحب الثقة منهم على نحو يؤدى إلى خروجهم من التشكيلة الحكومية.
وهذه- أيضا- حقوق برلمانية ينبغى على الجميع احترامها والتوقف عن توجيه الضربات الاستباقية لها، أو المصادرة عليها وتحويلها إلى (محرم) لا يمكن الاقتراب منه أو لمسه.
استلاب الأمة حيويتها وقدرتها على استخدام حقوقها الدستورية فى إحداث التغيير الذى يتواءم مع احتياج الشعب أو ما يستجد من ظروف وأحوال، هو بمثابة اعتداء جسيم على الفكرة الديمقراطية فى ذاتها، لأنه يصادر على الشعب الحق فى تشكيل المؤسسات بالرأى وتحديد أولوياتها، وتعديل ما يثبت عدم ملاءمته من قوانين أو إجراءات أو مسئولين.
وبقى أن نناقش ظاهرة أولئك الكتاب النخبويين الذين صوروا لأنفسهم حق تجميد المشهد العام عند لقطة رأوا أنها تعلو على ضرورة التغيير الشعبى أو الاحتياج الوطنى.
مثل أولئك وأفكارهم الخرقاء يدشنون عصرا جديدا تتسيد فيه نخبة غير منتخبة على أحوال البلد، وتنتزع لنفسها اختصاصات أصيلة لمجلس النواب أقرها الدستور.
إذا رأى المجلس الموقر تعديل الدستور فليفعل مستندا إلى نص دستورى صادق عليه الشعب، وإذا رأى تغيير الحكومة فليفعل متكئا على نصوص دستورية تتيح له ذلك التغيير أو نصوص أخرى تسمح له بإقالة بعض الوزراء.
وليكف الجميع عن تصديع رؤوسنا بمخاوفهم على استقرار الأوضاع واستمرار المسيرة إذا تغير الدستور والحكومة أو أحدهما، ولتمتنع كل هذه الضربات الاستباقية التى تحاول تجميد كل شيء.