الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حكاية المستشار "جنينة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تابعت منذ أشهر كل ما يثار على الساحة العامة من أنباء ونقاشات وسجالات تتعلق بالمستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات التابع لمجلس النواب، الذى كان من قبل تابعا لرئاسة الجمهورية.
ولفت انتباهى فى كل تلك المتابعات أن المستشار يكتفى- دائما- فى كل مناسبة يثار حوله فيها أو حول عمله جدل، إما بتحريك دعوى قضائية ضد منتقديه، وإما بفيض آخر من الاتهامات التى يكيلها لمؤسسات الدولة بالفساد، الذى يحرص على أن يشيعها ويذيعها من خلال مؤتمرات صحفية صاخبة قبلما يتم التأكد من تلك الاتهامات أو إحالتها للنيابة العمومية أو المحاكم.
وبيقين، فإن المجتمع كله فى مصر- الآن- يحتاج إلى إعادة نظر فى أسلوب عمل المستشار جنينة أو الطريقة التى يدير بها الجهاز المركزى للمحاسبات، وقد جاءت مناسبة إعلان المستشار هشام جنينة- مؤخرًا- أن تكلفة حالات الفساد فى العام الأخير بلغت ستمائة مليار جنيه، فرصة للتدقيق فيما يرد من أنباء عن المستشار وجهازه، فإذا كانت تلك الأخبار صحيحة فإن واجب الدولة يقتضى التصدى للفساد والفاسدين، وخاصة أن بلوغ حجم الفساد هذه الدرجة المروعة يعنى أن تحت كل حجر فى بناء هذه الدولة فاسدا أو فسادا.
وإذا لم تكن الأنباء دقيقة فإن المجتمع كله ينبغى عليه أن يجد حلا مع المستشار جنينة، ويحاول وضع يده على الأسباب التى دفعت الرجل إلى ذلك الإعلان المثير اللاهب الذى يمكن أن يجيء نتيجة لأحد العوامل التى أوجزها هنا:
أولا: ضمن الاتهامات التى وجهها بعض الإعلاميين للمستشار هشام جنينة وسببوا بها إعلاناته المثيرة عن حجم مهول للفساد فى مؤسسات الدولة، أن الرجل تربطه صلة بجماعة الإخوان الإرهابية، وأن علاقة نسب تربطه ببعض قيادات منظمة حماس الإرهابية، وتلك الاتهامات إن صحت فإنها تبرر إعلانات المستشار عن الفساد بأنها محاولة لتشويه صورة النظام لصالح الإخوان.
ثانيا: وترتيبا على ما سبق (لو صح) فإن المستشار هشام جنينة يعمد عبر إذاعته أنباء متواصلة عن فساد مؤسسات الدولة إلى خلق تيار عنيف بين الجماهير يندد بالدولة، ويتهم مؤسساتها بالفساد، ومن ثم فهو يسهم فى هدم تلك المؤسسات وتسويق صورة ذهنية نمطية عنها باعتبارها فاسدة.
ثالثا: المعروف أن عمليات الاستثمار وحركة البورصة تتأثران على نحو بالغ بقيم مثل (انعدام الشفافية) أو (الفساد)، ومن ثم فإن ما يعلنه المستشار هشام جنينة من أنباء عن وقائع لم يتم التحقيق فيها بعد، يفضى بالبلد إلى حال يواجه هزة عنيفة فى أسس الاقتصاد والاستثمار..فإذا وصلت الحالات التى يتكلم المستشار هشام جنينة عنها إلى رقم ٦٠٠ مليار جنيه فنحن- إذن- أمام كارثة ستدفع أى مستثمر أو اقتصادى بالبعد عن العمل فى مصر.
رابعا: قيام رئاسة الجمهورية بتشكيل لجنة بعضوية رئيس هيئة الرقابة الإدارية بالبحث فى حقيقة ما أعلنه هشام جنينة من أرقام عن الفساد يشير- قولا واحدا- إلى أن رقم (٦٠٠ مليار جنيه) ليس موجودا عند الرقابة الإدارية، يعنى المستشار هشام جنينة انفرد بهذا الرقم وسارع بإعلانه دون أن تتوصل إليه هيئة الرقابة الإدارية (وهى الجهاز المحترم الراسخ الذى قدم عشرات من حالات الفساد الكبرى إلى يد العدالة على امتداد عهود وعقود، وهى الجهاز- كذلك- الذى انطلقنا ندعو إلى عودته حين ألغاه الرئيس السادات بسبب تقرير شهير عام ١٩٧٧ بعنوان: جوانب القصور والانحراف الإدارى فى الدولة، وقد حرصت على نشر عدد كبير من الموضوعات الصحفية والأحاديث عنه للمرحوم الكاتب الصحفى عبدالله إمام، وقتما كنت مديرا لمكتب جريدة الشرق الأوسط الدولية عام ١٩٨١ بعد اغتيال السادات مباشرة).
خامسا: نحن- الآن- أمام لجنة تبحث فى المعلومات التى تضمنها إعلان المستشار جنينة بأن تكلفة الفساد فى العام الأخير تبلغ ٦٠٠ مليار جنيه.
إذن.. النتيجة ربما تكون إقرارا بصحة ما جاء فى إعلان المستشار جنينة، وربما تكون نفيا لما جاء فى الإعلان وهدما لأدلته وقرائنه.
فى هذه الحالة الأخيرة، ماذا نفعل؟
وكيف سنعالج الأضرار التى ترتبت على إعلانات المستشار جنينة، ومن هو الذى ينبغى أن يقدم تعويضا للأضرار التى تسبب فيها هذا الكلام للاقتصاد الوطنى، ولسمعة وصورة مؤسسات الدولة المصرية؟
وهل سيؤدى ذلك الاحتمال إلى تغييرات فى قيادات الجهاز المركزى للمحاسبات؟ وهل سيؤدى- كذلك- إلى إعادة النظر فى تبعية الجهاز لمجلس النواب، وإلحاقه- مرة أخرى- برئاسة الجمهورية؟ إذ إن خروج مثل ذلك الجهاز الحساس إلى الفضاء العام (سياسيا وإعلاميا) يفضى إلى احتمالات استخدام تقارير الجهاز فى التضاغط السياسى مع بعض المؤسسات التى تستهدفها تلك التقارير.
سادسا: أن تصل تكلفة الفساد خلال العام الماضى إلى ٦٠٠ مليار جنيه، فذلك يعنى أن ذلك لم يحدث فجأة- ولكنه مضى فى طريق تصاعدى عاما يلى أعواما، فلماذا لم تظهر فى الأعوام الماضية أرقام كبيرة تمهد إلى الرقم الكارثة ٦٠٠ مليار جنيه، والذى- إن صح- ستترتب عليه- قطعا- إجراءات كبرى تقلب حال الدولة التى نعرفها رأسا على عقب؟
حكاية المستشار هشام جنينة وتقاريره الظاهرة التى تتهم مؤسسات الدولة بارتكاب أعمال فساد تبلغ تكلفتها ٦٠٠ مليار فى عام واحد! صارت تحتاج إلى قول فصل فإما أن الرجل صادق وتلك كارثة، وإما أنه غير دقيق وتلك كارثة أخرى.
ومن ثم فنحن نحترق شوقا إلى معرفة نتيجة التحقيق الذى تجريه اللجنة التى شكلها الرئيس عبدالفتاح السيسى التى ستفصل فى أمر حكاية المستشار جنينة، وتترتب عليها- قطعا- نتائج سيؤرخ بها سواء جاءت فى جانب الانتصار لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، أو فى جانب إدانة تقريره وتكذيبه.