رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشرق الأوسط الجديد "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كتابه «البندقية وغصن الزيتون»، كشف الصحفى البريطانى المعروف «ديفيد هيرست» عن خطة تحويل سوريا والعراق ولبنان إلى دويلات طائفية وعرقية، وقال بالحرف الواحد فى كتابه المنشور عام ١٩٨٤، والمترجم بالعربية فى سلسلة مقالات صحفية نشرتها جريدة الأنباء الكويتية «إن انحلال لبنان وتجزئته إلى خمس مناطق ذات حكومات محلية، هو السابقة النموذجية للعالم العربى كافة. ثم يأتى دور تفكيك وتجزئة العراق وبعدها سوريا إلى أقاليم ذات أقليات عرقية ودينية بما يتسق مع المثال اللبنانى..إن عملية إضعاف هذه الدول عسكريًا، القائمة حاليًا تمثل هدفًا قصير المدى، ولسوف تنقسم سوريا إلى عدة دويلات على أساس خطوط بينها العرقية والطائفية، ونتيجة لذلك تقوم دويلة علوية، كما سيكون إقليم حلب دويلة سنية، وبينهما دويلة شيعية، أما العراق ففيه كل أنواع المواجهات الداخلية، وسوف ينقسم إلى ثلاث دول أو أكثر، فثمة دويلة للأكراد وأخرى للسنة وثالثة للشيعة». وقد أردت نقل النص حرفيًا لأضعه نصب أعين هؤلاء الذين يرفضون فكرة المؤامرة الخارجية على الوطن العربى، ويؤكدون أن هذه الفكرة مجرد ادعاء من الأنظمة الحاكمة، وفزاعة للشعوب العربية لكى يبقى الوضع على ما هو عليه، والحقيقة يا سادة أن أصحاب المؤامرة يعترفون بما يجول فى خاطرهم، ولكن بعضنا لا يصدق، تمامًا مثلما أعلنت الولايات المتحدة عن ضرب العراق فى تمام الساعة الثانية عشرة من مساء يوم السابع عشر من يناير ١٩٩١، وكنا وقتها نراهن بأن هذا لن يحدث، وكان مبارك هو الوحيد الذى يدرك أن أمريكا ستفعلها، وخرج على شاشات التلفاز يطلب من صدام سحب قواته من الكويت، ولكنه لم يمتثل للنصح، وظن كمعظم الناس مؤمنًا بأن أمريكا تهدد وتتوعد فقط لا سيما، وأن سفيرتها بالعراق، قد أعطت انطباعًا له بعدم التدخل حال قيام العراق باحتلال الكويت، وربما يكون هذا هو السبب الذى جعل صدام لا يصدق أن أمريكا ستبدأ قصف العراق فى الموعد الذى حددته، ولكنها وعدت فأوفت، وهددت فنفذت، وهذا هو أسلوب الغرب منذ فجر التاريخ، ولكننا لا نتعلم وبعضنا يظن أن فكرة الشرق الأوسط الجديد، هى من وحى حكامنا، ولعلنا نتذكر بعض أحاديث الشباب الذين ظهروا فجأة فى ٢٠١١ وتبين فيما بعد أنهم قد تلقوا تدريبًا بالخارج على كيفية قلب نظام الحكم وإثارة الشعوب، وهم الذين يؤكدون على عدم وجود مؤامرة خارجية، وأن أحدًا بالخارج لا يتحدث عن الشرق الأوسط الجديد، وما زلت أذكر واحدة ـ منعتها السلطات القضائية مؤخرًا من السفر للخارج ـ وهى تقول فى أحد البرامج «ما فيش حاجة اسمها الشرق الأوسط الجديد ولا مؤامرة ولا كلام فارغ من ده، دا وهم اخترعه نظام حسنى مبارك عشان يخوف الناس». قالتها بلدغتها المستفزة، وللأسف الشديد فإن بعض العامة صدقوا حديث تلك الفتاة المتآمرة، وكذلك بعض الإعلاميين الذين أكدوا على كلامها، وسوف تثبت الأيام أنهم من المتآمرين مثلها، فالغرب يعلن خططه للعالم كافة، وفى المقالات السابقة رأينا كيف وضع «سايكس وبيكو» خريطة للعالم العربى فى عام ١٩١٦، ونفذت بحذافيرها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، والغريب أننا عرفنا بها، ونشرتها الصحف وحذرت منها روسيا فى ١٩١٧، ولكننا كعرب استسلمنا لها، فظهرت الجمعيات والمنظمات السرية المدعومة من المخابرات الإنجليزية، التى هدفت إلى إثارة الغضب داخل الشعوب العربية ضد الأتراك، ورأينا كيف تم استغلال الشريف حسين بعدما وعدوه بأن يكون خليفة للمسلمين عقب انهيار الخلافة العثمانية، عقب الهزيمة المتوقعة لها فى الحرب العالمية الأولى، والتى انتهت فى عام ١٩١٨ كما توقع الإنجليز بهزيمة الأتراك، وعقد مؤتمر الصلح بباريس ١٩١٩، وأبرمت معاهدة الصلح فى فرنسا التى نصت فى المادة «٢٢» على أن البلاد العربية الواقعة تحت الاحتلال الإنجليزى والفرنسى، قد سلخت عن الإمبراطورية العثمانية، وفى عام ١٩٢٠ عقد مؤتمر «سان ريمون»، والذى حصلت بمقتضاه الشركات الأوروبية على امتياز التنقيب عن النفط بداخل الأراضى العربية، أما فى مصر فبدستور ٢٣ أصبحت مصر مستقلة تمامًا عن الخلافة العثمانية، التى أعلن «كمال أتاتورك» نهايتها فى ١٩٢٤ وللحديث بقية.