الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يفعلها حلمي النمنم؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام أعلن وزير الثقافة، حلمى النمنم، عن إبرامه اتفاق مع وزارة التربية والتعليم يقضى بإهدائها نحو مليون كتاب ثقافى بهدف توزيع تلك الكتب على المكتبات العامة بالمدارس.
لكن ما الجديد فى مسعى النمنم؟! هل سأل الوزير المثقف نفسه عن جدوى هذا الاتفاق المبرم مع وزارة التعليم؟!
هل سيقبل الطلاب على قراءة الكتب الثقافية لمجرد إهدائها لمدارسهم؟! أم أن تلك الكتب ستنتقل من مخازن وزارة الثقافة لتستقر على أرفف مكتبات المدارس دون أن تمتد إليها أيدى الطلاب لمطالعتها؟!
أخشى أن تتحول خطوة النمنم إلى مجرد إجراء روتينى، أو خبر صحفى عادى لا يحقق الهدف المرجو وهو إشاعة المعرفة والثقافة بين الشباب.
ولا أتصور أن مهمة وزير الثقافة تنتهى باستقرار هديته على الأرفف فلابد من وضع برنامج مشترك مع وزارة التربية والتعليم لتحفيز الطلاب وإثارة الرغبة لديهم فى الاطلاع والمعرفة.
وهنا يواجهنا سؤال آخر عما إذا كانت وزارة التعليم بما فيها من مدرسين وتربويين تؤمن حقا بأهمية الثقافة؟! أظن أن الإجابة بالسلب، فالنظام التعليمى قام على الحفظ والتلقين، والمدرس لا يعمل إلا داخل حجرات الدروس الخصوصية.
هدية النمنم إذن لن تحقق الأثر الذى أراده، فالمسألة تحتاج إلى إصلاح منظومة التعليم بأكملها، وربما إلى تصحيح تعريف عملية التعلم فى أذهان القائمين عليها.
لكن هل يعنى ذلك أن ينتظر وزير الثقافة تغير مفهومنا عن التعليم وإصلاح وزارة التعليم التى تبدوا فى واقعنا كعربة (كارو) متهالكة تدعى القدرة على التنافس مع سيارات السباق الحديثة؟!.
بالطبع ليس على حلمى النمنم الانتظار، لكن كل مشروع يحتاج إلى فكرة تسوق له وتساعد على نجاحه، وإذا كان مشروع الوزير هو إشاعة الثقافة والمعرفة فعليه أن يجد أولًا هذه الفكرة، وربما لا تكون بعيدة عن قراره بإهداء المليون كتاب.
ماذا لو قرر النمنم أن يهدى الثقافة والمعرفة لملايين الصم والمكفوفين؟!.
فى مصر نحو ١٢ مليون شخص معاق طبقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، بينهم ٤ ملايين أصم على الأقل ومثلهم من المكفوفين، وجميعهم محرمون من الحق فى المعرفة والاطلاع، ناهيك عن المعاقين ذهنيا.
فماذا لو قامت وزارة الثقافة بعمل مشروع ضخم لإنتاج فيديوهات تتحدث عن التاريخ المصرى السياسى والاجتماعى والثقافى والفنى والأدبى مترجمة إلى لغة الإشارة ويتم توزيعها على أندية الصم ومؤسساتهم ومدارسهم مع إذاعتها على محطات التليفزيون المصري، المؤكد أن ذلك سيساعد على إشاعة أجواء تحفز الإقبال على المواد الثقافية، مع ملاحظة أن أسر هذه الملايين من الصم ستتأثر هى الأخرى بهذه الأجواء.
علمًا بأن حلمى النمنم لم يفكر هذه الفئة عندما منح هديته لوزارة التعليم، رغم أن تمكينها من حقها الطبيعى سيكون بمثابة أكبر دعاية لمشروعه التنويرى، علاوة على أنه واجب وفرض عين على الوزير.
وقد يبدأ بما هو أبسط من ذلك بأن يوفر مترجم إشارة لكل عرض مسرحى يقدم بمسارح الدولة فى ليلة واحدة من كل أسبوع، وأن يتبنى مشروع الكتاب المسموع لملايين المكفوفين المحرومين من قراءة الأدب المصرى والعالمى.
بالمناسبة هناك تجارب دولية لدور سينما بها من يشرح للرواد المكفوفين ما يجرى على الشاشة عبر سماعات (هيد فون)، وهناك أيضًا برامج لتثقيف ذوى الإعاقة الذهنية وتعريفهم بوطنهم، ولدينا خبراء متخصصون فى هذا المجال لكننا للأسف لا نتعامل مع هذه الأمور بوصفها حقوقًا أساسية للمواطنين من ذوى الإعاقة ونكتفى بالحديث عن احتياجهم للرعاية الطبية أو التوظيف، أو بعض الأجهزة التعويضية.
هذه الحقوق تغيب عن ذهن النمنم رغم وجود إدارة داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت مسمى (إدارة التمكين الثقافى لذوى الاحتياجات الخاصة)، وللأسف لا نقرأ عنها إلا عندما تقيم ندوة أو احتفالية روتينية، ولا دور لها على الإطلاق فى تمكين ملايين المصريين المعاقين من حقوقهم الثقافية والمعرفية.
لذلك لا يزال ذوو الإعاقة فى مصر فريسة سهلة لتيارات التطرف والتشدد الدينى ومعظمهم لا يتعرض إلا للمواد الدينية الرخيصة والموجودة فى شرائط كاسيت شيوخ الميكروباص، أو المترجمة إلى لغة الإشارة بواسطة عناصر تنتمى إلى الإرهاب فكرًا على الأقل، وهو ما يمتد أثره بالضرورة إلى أفراد أسرهم من غير المعاقين، وشخصيًا أعرف العشرات الذين اعتنقوا الفكر المتشدد، فهل يفعلها حلمى النمنم ليحمى ملايين المصريين ذوى الإعاقة من التأخون والتسلف.