الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إنه العار.. الذي لا يليق بمصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يليق بمصر ولا بشعبها الذى لا نتوقف عن التكرار الممل أنه قام بثورتين. لا يليق أن يساق مواطن إلى غرفة الحجز، تمهيدا لترحيله إلى السجن بموجب مواد فى قانون العقوبات الذى يجرم حرية الرأى والتعبير والبحث الفكرى وإعمال العقل تحت دعاوى واهية لا أساس لها من منطق أو اعتبار أصلا، مثل الاتهام بتهديد السلم الاجتماعى، وكأن المجتمع هش لدرجة أن تهدد سلامته فكرة أو وجهة نظر. الاتهام بازدراء الأديان هو الاتهام الذى يتخذ ذريعة للزج فى السجون بكل مخالف لرأى فقهاء الظلمة والظلام. بينما وفى نفس الوقت مطلوق علينا من السلفيين جماعات وأفراد تزدرى الأديان جميعها وتكفر المؤمنين بها طالما هم خارج تفسيراتهم الفقهية.
لا يليق بمصر ولا بشعبها أن يساق الباحث إسلام البحيرى إلى السجن بموجب قانون يهين دستور البلاد ويعتدى عليه. الدستور الذى كفل حق المواطنين فى حرية الرأى والتعبير والبحث العلمى كفل حق المواطن فى إعمال عقله.
لا يليق ببلد عمر التجربة الليبرالية فيه أكثر من قرنين. تجربة روادها العظماء قامات تم تكفيرهم، ولا يرتاح فقهاء الأزهر المؤسسة الرسمية لسيرتهم. من هذه القامات المرفوضة من شيوخ لا يدركون الفارق بين اللغو والعلم، قامة رفاعة رافع الطهطاوى الذى نستطيع أن نفهم أن من أسباب رفضه تعريفه لمن هو العالم كما جاء فى كتابه «تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز»: «لا تتوهم أن علماء الفرنسيس هم القسوس، فالقسوس علماء فى الدين فقط، وأما من يطلق عليه اسم العالم، فهو من له معرفة فى العلوم العقلية التى من جملتها علم الأحكام والسياسات. وعلماء الفرنسيس نوع آخر لتعلمهم تعلما تاما عدة أمور، واعتنائهم زيادة على ذلك بنوع مخصوص وكشفهم كثيرا من الأشياء وتجديدهم فوائد غير مسبوقين بها فإن هذه عندهم هى أوصاف العالم».
والذين ساقوا إسلام البحيرى وغيره بموجب قانون العقوبات إلى السجن من شيوخ تعلموا فى الأزهر، بل ويجلسون على مقاعده حتى الآن، هؤلاء أهالوا التراب على الأستاذ الإمام الشيخ الأزهرى الجليل محمد عبده الذى كانت دعوته -ويا لها من مفارقة- لانطلاق ثورة من داخل التراث نفسه وإعادة بناء التراث بما يتفق مع العصر الذى نعيش فيه وكان يؤكد قائلا: «إن العيب ليس فى التراث، لكن العيب فى النظرة إلى التراث من خلال منظور تقليدى رجعى لا يتماشى مع العصر». ليس هذا فحسب سبب مقاومة ومحاربة روح الحرية عند محمد عبده، لكن كانت صرخته هى الأساس فى وجوه شيوخ عصره: «إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل»، وقوله: «لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله وعن رسوله من كلام رسوله دون توسيط أحد من سلف ولا من خلف». هل اتضح الأمر إذا كان هذا رأى محمد عبده فكيف يكون لمن يكفر الآخرين ويحجب النور عن العقول وضع فى هذا البلد إلا مقاعد التخلف والغوص فى ماض سحيق ليس فيه شعاع ضوء.
لا يليق بمصر التى كانت الملاذ والمتسع لمن ضاقت عليهم بلادهم، وضاقت عليهم غرف الحجز والسجون فيها، وقطع الألسنة والرزق. ويعرفهم من وضعوا قوانين العار التى تخنق الحرية فهم يعرفون شبلى شميل وولى الدين يكن ويعقوب صنوع وفرح أنطون وبشارة تكلا وجورجى زيدان، وغيرهم ممن أسسوا صروحا للحرية وللعلم وللفن على أرض مصر الرحبة. لا يليق بمصر أن يساق إسلام البحيرى إلى الزنازين، بينما المخربون يعيثون فى أرض وعقل مصر فسادا. وعندما نقول لا يليق بمصر فإننا نقصدها تماما، مؤكدين ضرورة تنقية القوانين المصرية من هذا العار الذى لا يليق بمصر.